/صفحة 153 /
نساءهم وأولادهم ويأكلون لحومهم، ولوحظ كذلك لدى بعض القبائل في شمالي أستراليا وغربيها، ولدى قبائل الهنود الحمر التي تسكن شمالي البحيرة العليا بأمريكا الشمالية أنه لا يلجأ إلى أكل لحوم البشر إلا في سنى المجاعات، وفي أوقات الحصار الحربي. وحينئذ قد تدعو الضرورة الآباء أنفسهم إلى أكل لحوم أولادهم.
ولوحظ كذلك أن بعض عشائر الإسكيمو التي تسكن سواحل خليج هدسن لم تلجأ إلى أكل لحوم البشر إلا بعد أن أصيبت بسنى مجاعة وقحط شديدين، وبعد أن أكلت جميع ما لديها من كلاب وملابس وجلود.
* * *
وقد وصف الرحالة المؤرخ الطبيب الشهير عبد اللطيف البغدادي في كتابه " الإفادة والاعتبار في الأمور المشاهدة والحوادث المعاينة بأرض مصر " (وهو وصف لرحلته إلى وادي النيل في نهاية القرن السادس الهجري، ونهاية القرن الثاني عشر الميلادي) ما شاهده من مظاهر المجاعة التي ألمت بمصر، فيما بين سنتي 595 ـ 598 هـ (1198 ـ 1201 م)، فذكر أن الفقراء لشدة المجاعة عليهم كانوا ينبشون قبور الموتى، ويلتهمون جيفهم، وكانوا يقتلون أولادهم ويأكلون لحومهم، وأن هذه الفظائع كانت لغرابتها في مبدأ الأمر موضع دهشة الناس، وحديثهم الذي لا ينقطع في غدوهم ورواحهم وساعات عملهم وسمرهم. ولكن لم يلبث المصريون، لامتداد المجاعة لديهم وطول ممارستهم لأكل لحوم البشر، أن أصبحت هذه الفظائع أموراً عادية، بل أخذ كثير من الناس يجدون لذة في هذا النوع من اللحوم. فأصبحت لحوم الأطفال من أزكى أنواع الطعام عند كثير من الطوائف، وأصبحت تؤكل للذة لا لضرورة المجاعة، واخترع الناس طرقا عديدة لطهو هذه اللحوم وسلقها وشيها وتقديدها وتعبئتها وحفظها في التوابل، وانتشر ذلك في جميع أرجاء البلاد حتى لم تبق قرية من قرى مصر لم يصبح فيها أكل لحوم البشر أمراً مألوفا. وحينئذ انقطع حديث الناس عن ذلك، ولم تثر هذه الأعمال لديهم نفوراً ولا اشمئزازا، ولم تعد مقصورة على الفقراء والمعوزين من الناس، بل إن كثيراً من أغنياء القوم أنفسهم الذين كان من الميسور لديهم الحصول على