/صفحة 118/
والآن نستمر في الحديث عن بقية هذه المشاهد: يقول الله تعالى بعد الكلام عن نداء أهل الجنة لأهل النار: وبينهما حجابٌ، وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون وإذا صرفت ابصارهم تلقاء اصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين، ونادى أصحابُ الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون، أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون ".
وفي هذه الآيات يجئ ذكر لفرقة لم يتحدث عنها القرآن الكريم باسمها ومكانها وندائها، إلا في هذه السورة، وفي هذه الآيات، وهي الفرقة التي سميت " بأصحاب الأعراف " وسميت السورة باسمها.
وذلك وصف لمشهد آخر يبين أن بين أهل النار وأهل الجنة حجابا، وأن هناك جماعة على الأعراف ينادون أهل الجنة بالتحية والتكريم، ويستعيذون بالله من أن يجعلهم مع أهل النار " ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين " وهو دعاء تذلل ولهم فيه مع ذلك لذة، ولأهل النار منه حسرة، ثم يأخذ أصحاب الأعراف في تبكيتهم من جهة ما كانوا يجمعون من جموع ليصدوا عن سبيل الله وما كانوا يبدون من استكبار عن تقبل دعوة الحق، وأن هذا وذاك لم يغنيا عنهم من شيء، ثم من جهة موقفهم من المؤمنين في الدنيا حيث كانوا يستهزئون بهم ويقسمون الأيمان الغليظة على أنهم لا يمكن أن يكونوا صالحين، وأن ينالهم الله برحمة منه.
وقد تكلم العلماء في هذا المقام كثيراً: تكلموا في الحجاب الذي هو بين الجنة والنار، وتكلموا في الأعراف ورجاله، وكان لهم في ذلك آراء وصلت فيما كتب المفسرون إلى اثني عشر قولا:
فمن قائل: إن الحجاب الذي بين الجنة والنار، أو بين أهليهما، هو السور المذكور في سورة الحديد " يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم، قيل ارجعوا وراءكم فالتسموا نورا، فضرب بينهم