/صفحة 115/ بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة التحرير
بعض الناس لا همّ لهم الا القيل والقال، والظن والتظنن، وافتراض السوء، والترويج للشائعات، والبحث عن المثالب والهفواتن والغض من قيمة الناجحين، ومحاولة الوقوف في طريق العاملين، فان أسعفتهم الحال بشيء مما ابتغوا قروا به عيونا، واطمأنوا إليه قلوباً، وتنفسوا الصعداء، كما لو كانوا قد ألقوا عن كواهلهم عبا ثقيلا، أو تفيئوا بعد الضحاء ظلا ظليلا، وان لم تسعفهم المقادير بتحقيق أماني السوء باتوا على كظم حاقدين، وغدوا على حرد ناقمين، وسلطوا من أرواحهم الشريرة على الغافلين الآمنين شواظا من نيران حسدهم وبغيهم وحصائد ألسنتهم.
أولئك ههم الخلاة المحرومون: أفئدتهم هواء، فلا سبيل لهم إلى أن يثمروا، وهل تثمر النخلة الخاوية؟ إنّما مثلهم كمثل النبت الطفيلي أو الشيطاني يزاحم غيره من النبات النافع فيمتص جزءا من مائه، وشطرا من غذائه، ثم لا يكتفي بذلك حتى يمتد عليه فيخالطه ويداخله ليعوقه، وانهم لآفة في كل مجتمع لابد من محاذرتها، ولا مناص من مصابرتها، ومنهم الدخلاء على أولى العلم وأرباب دعوات الإصلاح، لا يفتئون يرجفون عليهم بالأكاذيب، وينحلونهم ما لا يعرفون من النحل والمذاهب، قصداً إلى تنفير العالم، وخداع الجاهل، وإيقاظ عقارب السوء، وإذكاء نيران الخلاف والعصبية الجاهلية، وفي أمثالهم يقول الشاعر الحكيم:
هم حركوا رقط الأفاعى وأيقظوا عقارب سوء نام عنها رقاتها
هم نقلوا عنى الذي لم أفه به و ما آفة الأخبار الا رواتها !
* * *