/ صفحه 87/
خطيبه وشاعره فقاما فتمدحا وافتخرا بمجد القومية أيضاً، واعتزا بها كما اعتز وفد تميم بقوميتهم، ولكنهما جمعا بين الاعتزاز بالقومية والاعتزاز بالدين، وضربا لنا مثلا بأنه لا تنافي بين الأمرين.
وأما حديث: " إن الله قد أذهب عنكم عُبِّية الجاهلية وتعاظمها " بآبائها ". وكذلك الآية التي ذكرت فية فسببهما أنه لما كان يوم فتح مكة أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بلالا حتى علا ظهر الكعبة، فأذن في الناس أذان الإسلام، فقال عتاب ابن أسيد: الحمد لله الذي قبض أبي ولم ير هذا اليوم. وقال الحارث بن هشام: أما وجد محمد غير هذا الغراب الأسود مؤذنا. وقال سهل بن عمرو: إن يكره الله شيئاً يغيره. وقال أبو سفيان: إني لا أقول شيئاً أخاف أن يخبره رب السماء.
فأخبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بما قالوا، وسألهم عما قالوا فأقروا، فأنزل الله تعالى تلك الآية، وقام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فخطب فيهم تلك الخطبة، وزجرهم ونهاهم عن التفاخر بالأنساب، والتكاثر بالأموال، والإزراء بالفقراء، كما أزري هؤلاء الأشراف من قريش ببلال، لأنه كان عبداً فيهم قبل الإسلام، فأنفوا أن يصل به الإسلام إلى هذه المنزلة التي يعلو فيها ظهر الكعبة، ويؤذن في الناس بما أذن، وهذا تفاخر بالأنساب والأموال يأباه الدين، لأن فيه خروجا عليه، وإنكارا لرفعه بلالا بسبقه إلى الإسلام إلى هذه المنزلة، ولوضعهم في منزلة دونه بسبب تأخرهم في الإسلام ومحاربتهم له.
فالإسلام يقر مجد الآباء ولا ينكره، ولكنه لا يقره على الإطلاق، وإنما يقره إذا بعث في الأنباء سعياً للمحافظة عليه، وإذا لم يبعث كبراً على الناس وتعاظما عليهم وإزراء لهم، كما أزري أولئك الأشراف من قريش ببلال، وقد روى عن أبي هريرة أنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس أكرم؟ قال " أكرمهم عند الله أتقاهم ". قالوا: ليس عن هذا نسألك. قال: " أكرم الناس يوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله ". يعني آباءه يعقوب وإسحاق وإبراهيم عليهم الصلاة والسلام، قالوا: ليس عن هذا نسألك. قال: فعن معادن