/ صفحه 82/
نعم إن الحجاج ارتاع وتوجس خيفة لعدم معرفته المثل، ولرهبته من سطوة عبد الملك، ففي رواية أمالي القالي أنه كتب إلى قتيبة بن مسلم يسأله عن معنى المثل، وفي رواية ثمار القلوب للثعالبي أنه قد وفد عليه قتيبة بن مسلم فسأله، وكان قتيبة ذا دراية ورواية للشعر حافظا له عالما به، فكتب إليه قتيبة أو قال له مجيباً: أبشر أيها الأمير فإنه قد مدحك، ورضى عنك، أما سمعت قول ابن مقبل يصف قدحاً له:
غداو هو مجدول وراح كأنه من المش والتقليب بالكف أفطح
خروج من الغمي إذا صك صكة بدا والعيون المستكفة تلمح (1)
فسرى عن الحجاج وامتلأ حبوراً.
إن هذا المثل جدير أن يضرب فيما يتماثل مع مورده، ويعحبني أن يشبه الكميت نفسه به بعد ظفره بالنجاة من سجن الجبار: خالد بن عبد الله القسري الذي أضمر قتله داخله لهجوه اليمانية، إذ احتال الكميت على التخلص منه بامرأته. لأنها كانت تأتيه كل يوم بالطعام وتعود إلى منزلها، فلبس ثيابها، وخرج من السجن كأنه هي، فلم يرتب أحد السجانين فيه، ثم لحق بمسلمة بن عبد الملك مستصرخا مستجيراً فأجاره، فقال في ذلك متبجحاً بما صنع:
خرجت خروج القدح قدح ابن مقبل إليك على تلك الهزاهز والأزل
على ثياب الغانيات وتحتها عزيمة رأي أشبهت سلة النصل (2)
" للكلام صلة "
ــــــــــ
(1) راجع أمالي القالي ح 1 ص 15، وثمار القلوب (الباب الخامس عشر) ص 173، المش: المسح، والغمي: الشدة التي تغم أي تغطي، والمستكفة: من قولهم استكففت الشيء إذا وضعت يدك على حاجبك تنظر هل تراه؛ كالذي يستظل من الشمس.
(2) البيتان في وفيات الاعيان ترجمة (معاذ الهراء) ح 4 ص 307، الهزاهز: تحريك البلايا والحروب الناس، والأزل الضيق والشدة.