/ صفحه 71 /
قلت: وأين نحن من الخلق الكريم؟ نحن في الجاهلية مع ربيعة بن مكدم، وتأبط شراً، ودريد بن الصمه.
قال: وأي خلق كريم أكرم من خلق هذا الذي عفا عن قاتل ثلاثة كان يندبهم للكبير من الأمور، بل يزيد على العفو فيزعم أن المعفو عنه قد هزمه واستلب سلاحه، لا والله ما هزم ولا استلب سلاحه، وإنما هي مبالغة في تمجيد ذيالك الشجاع اليافعن فهو يحتمل في سبيل إكباره وإجلاله خزيا هو به غير قمين. أولا تعلم أن محمداً عليه صلوات الله وسلامه إنما بعث ليتمم مكارم الأخلاق... يتممها يعني أنها حين ذاك كانت حاصلة في نفوس قومه على ما ينقصها ويكتنفها من ظلمات الجاهلية، ولله في خلقه شئون.
قلت: ولكننا قبل هذا لم نستنفد مادة عقل إلا في لغة صاحب القاموس وحدها.
قال: ومن غيره تريد؟ إن القاموس المحيط لمؤلف كاد يكون الأوحد في بابه... لقد استدرك على صاحب " الصحاح " كل ما يمكن استدراكه، فصحح غلطه، وأبرأ سقمه، بل أتى عليه بما يشبه أن يكون ضياء الشمس أتى على نور القمر... وأما " اللسان " فأنا زعيم أن أقيم لك الدليل على أنه مسودة لم يتأت لصاحبها أن يخرجها مؤلفاً مستوفي...
قلت: على رسلكم يا سيدي الشيخ فلست أعني المعاجم العربية، ولا أقصد مادة " عقل " في القاموس، وإنما أعنى أننا استنفدنا المادة من حيث اللغة العربية وحدها فإذا كانت " عقل " عندنا تؤدي " قيد " أو تنفي الأطلاق، فإن العقل الإنساني غير مقيد بلغة العرب، وما يدرينا لعله مطلق في اللغات الأخرى بقدر ما هو مقيد في لغتنا.
قال: بل إن " لا ريزدن " الفرنسية، أو " راسيبو " اللاتينية، وهي أصل في جميع اللغات الأوربيات اللاتينيات المصدر ـ تعني شيئا لا يخالف عما كنا بصدده حين عرضنا لمادة عقل يعقل في القاموس، فأنت حين تقول " ريزونيه " فعلا أو مصدراً فرنسياً أو إيطالياً أو ما شئت من اللغات السالف ذكرها، إنما تقول: " تعقل " العربية حذورك النعل بالنعل، ولا تؤاخذني إذا أساء التعبير بالفعل إلى الذوق الفرنسي المرهف المترف.. إن العقل يا بني قيد على الحقيقة الإنسانية، ودعك من التصريف والاشتقاق في هذه اللغة أو تلك، إنه لو لا العقل لما كان حبس ولا سجن ولا حاكم ولا محكوم ولا عقدة نكاح ولا عقد بيع ولا أثر ألبتة لما تسمونه التزامات