/ صفحه 48/
بين الفقهاء القدامى، فعملهم بالضعيف يجعله صحيحاً، وإهمالهم للصحيح يجعله ضعيفاً، وليس هذا عن المنطق ببعيد، لأن الأوائل قد بحثوا ونقبوا عن كل ما يمت إلى الدين والفقه بصلة، ومحصوه وغربلوه، حتى تميز السليم من السقيم فإذا أهملوا حديث الثقة، مع علمنا بورعهم ومعرفتهم وقرب عهدهم من صاحب الشرع، يكشف إهمالهم عن وجود قرينة في الواقع توجب ذلك، اطلعوا عليها هم، وخفيف علينا نحن، وإذا عملوا بحديث الضعيف يكشف عملهم عن وجود قرينة تدل على صدق الحديث في نفسه، مع صرف النظر عن الراوي، ويؤكد ما قلناه من أن البحث عن سند الخبر الواحد ليس له موضوع عند الشيعة الآن: ما قاله الشيخ جعفر الكبير " المتوفي سنة 1228 هـ " في كتابه " كاشف الغطاء " في البحث السادس والأربعين: " ينبغي للفقيه إذا حاول الاستدلال على مطلب من مطالب الفقه أن يتخذ الأدلة الظنية من الأخبار وغيرها من الطرق الشرعية الظنية ذخيرة لوقت الاضطرار وفقد المندوحة، لأنه غالباً غنى عنها بالايات القرآنية، والأخبار المتواترة المعنوية، والسيرة القطعية المتلقاة خلفاً بعد سلف من زمان الحضرة النبوية والامامية إلى يومنا هذا، وليس مذهبنا أقل وضوحاً من مذهب الحنفية والشافعية والمالكية والحنبلية فإن لكل طائفة طريقة مستمرة يتوارثونها صاغراً بعد كابراً، حتى أهل الملل من غير المسلمين على بعد عهدهم عن أنبيائهم الماضين لهم طرائق وسير يمشون فيها على الأثر. وهذا عين ما ذهب إليه المتأخرون، فإنهم يعتمدون أولا وقبل كل شئ على القرآن الكريم والحديث المتواتر والسير القطعية (1) ويرون به غنى عن الخبر والواحد، ولا يلجأون إليه إلا عند الضرورة.
وبالإجمال إن أصول الفقه الجعفري الذي يدرس اليوم في النجف وإيران، والذي عليه العمدة في تفهم الأحكام من مصادرها غيره بالأمس، وقبل عهد الشيخ مرتضى الانصاري المجدد " المتوفي سنة 1281 هـ " إنه جديد بكل ما في هذا اللفظ

ــــــــــ
(1) الفرق بين السيرة وبين طريقة العقلاء: أن السيرة هي عمل المسلمين فقط بما أنهم مسلمون، أي يعملونه بدافع العقيدة الدينية وعلى أنه من الدين، أما طريقة العقلاء فهي عملهم بما هم عقلاء سواء أكان لهم ملة ودين أم لم يكن.