/ صفحه 410/
فآثرت بلقيس السلم بذلك على الحرب، ثم أرادت أن تختبر أمر سليمان (عليه السلام)، فأحضرت له هدية ترسلها إليه لتصانعه بها على ملكها، وتختبره أملك هو أم نبي؟ فإن كان ملكا قبل الهدية وترك لها ملكه، وإن كان نبياً لم يقبل الهدية، ولم يرضه منها إلا أن تتبعه في دينه، وذلك قولها في الاية ـ 35 ـ من سورة النمل: " وإني مرسلة اليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون" وقد أرسلت الهدية إلى سليمان مع رسل من قومها على رأسهم المنذر بن عمرو، وكانت هدية عظيمة نوه المفسرون بها، وذكروا ما ذكروا في وصفها.
ثم سار المنذر بن عمرو بالهدية من اليمن إلى فلسطين، فلما جاء سليمان بها ردها عليه، كما قال تعالى في الاية ـ 35 ـ من سورة النمل: " فلما جاء سليمان قال أتمدُّوننِ بمال فما آتاني الله خير مما آتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون " يعني ما آتاه الله من الدين والنبوة والحكمة، وأنه لا يفرح بما آتاهم من الدنيا كما يفرحون، لأنهم أهل مفاخرة ومكاثرة بالدنيا، فيفرحون بإهداء بعضهم لبعض، وأما هو فلا يفرح بالدنيا، وليست الدنيا من حاجته عندهم، وإنما حاجته الدين الذي يدعوهم إليه.
ثم أراد سليمان (عليه السلام) أن يظهر للمنذر بن عمرو ما عنده من القوة لئلا يطمعوا في حربه بعد رد هديتهم اليهم، وأمره أن يرجع اليهم فيخبرهم بها، كما قال تعالى في الاية ـ 37 ـ من سورة النمل: " ارجع اليهم فلنأتينهم بجنودٍ لا قِبَل بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون " يعني إن أرادوا حربه.
فلما رجع المنذر اليها بلغها ما قال سليمان (عليه السلام)، فقالت: والله لقد عرفت ما هذا بملك، وما لنا به من طاقة. ثم كتبت إليه: إني قادمة عليك بملوك قومي، حتى أنظر ما أمرك؟ وما الذي تدعو إليه من دينك؟ ثم سارت إلى سليمان فرأت من عظيم ما أعطاه الله تعالى ما رأت، وشاهدت من الايات الإلهية ما شاهدت، فتركت دينها إلى دينه، وآمنت بالله تعالى، وسجدت له وحده لا للشمس كما كانت تسجد، واعترفت بما كان من ظلمها لنفسها بما كان من شركها، كما قال تعالى على