/ صفحه 408/
بما لم تحْط به وجئتكَ من سبأ بنبأ يقين، إنيَّ وجدتً امرأةً تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرشٌ عظيمٌ، وجدتُها وقومَها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدَّهم عن السبيل فهم لا يهتدون، ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والارضِ ويعلمُ ما تخفونَ وما تعلنونَ، الله لا إله إلا هو ربُّ العرشِ العظيم ".
وهذه الملكة هي بلقيس بنت شراحيل من ملوك سبأ، وكانت عاصمتهم مدينة مأرب، وقد طمعت في الملك بعد موت أبيها وطلبت من قومها أن يبايعوها، فأطاعها قوم منهم وأبى آخرون وملكوا عليهم رجلا يقال إنه ابن أخي الملك، وكان خبيثاً سيء السيرة في أهل مملكته، وقد أرادوا خلعه فلم يقدروا عليه، فلما رأت بلقيس ذلك أرادت أن تأخذه بالحيلة، فعرضت نفسها عليه ليتزوجها، فأجابها إلى ما أرادت من الزواج، فلما دخلت به سقته الخمر حتى سكر، ثم قتلته وحزت رأسه وانصرقت إلى منزلها، وأراحت بهذا قومها منه، فاختاروها ملكة عليهم.
فلما أخبر الهدهد سليمان (عليه السلام) بذلك أجابه بما جاء في الاية ـ 27 ـ من سورة النمل: " قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين " ثم كتب كتابا إلى تلك الملكة ـ من عبد الله سليمان بن داود إلى بلقيس ملكة سبأ، بسم الله الرحمن الرحيم، السلام على من اتبع الهدى، أما بعد، ألا تعلوا عليَّ وأتوني مسلمين ـ ثم ختم الكتاب بخاتمه، وأمر الهدهد أن يذهب به اليها، كما قال تعالى في الاية ـ 28 ـ من سورة النمل: " إذهب بكتابي هذا فألقه اليهم ثم تولَّ عنهم فانظر ماذا يرجعون ".
فذهب الهدهد بالكتاب وألقاه إلى بلقيس، فلما قرأته جمعت أهل مشورتها من أقيال مملكتها، فلما جاءوا وأخذوا مجالسهم أخبرتهم بما جاء في الايات ـ 29، 30، 31 ـ من سورة النمل: " قالت يأيها الملأ إنيِّ ألقىَ اليَّ كتابٌ كريمٌ، إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحمين ألا تعلوا على وأتوني مسلمين ".
وبهذا الكتاب يبتدئ أمر سليمان (عليه السلام) مع بلقيس ملكة سبأ، وهو كما قالت بلقيس كتاب كريم يليق بمثل سليمان من رسل الله (عليهم السلام)، لأنه لم