/ صفحه 395/
أ ـ ليس بأناني، أي لا يطغى بأنانية على الوجود والحياة التي يعيش فيها، يعرف حق نفسه وحق غيره، وواجب نفسه نحو غيره وهو المجتمع الذي يعيش فيه وواجب المجتمع نحو ذاته. يفرق بين ما يملك هو وبين ما يملك غيره. يفرق بين الحرمات التي له والتي لا يصح الاعتداء عليها، والحرمات التي لغيره والتي لا ينبغي له أن يعتدي عليها. يعرف أنه فرد في أسرة، ويعرف مدى قرابته وصلته بكل فرد، ومدى التزامه أدبياً ومادياً نحو كل فرد فيها، يعرف معرفة واضحة أن له جاراً، قريباً أو بعيداً، يعرف أن له مواطناً، يعرف أن له وطناً، يعرف أن له مجتمعاً له شخصيته المستقلة، وله هدفه، وله آدابه العامة مما يسمى عادات وتقاليد، وله لغته وطابعه الخاص في الحياة.
ب ـ والرشيد ليس بجبان ولا خائف: يواجه الأحداث لا بالبكاء والصياح، وإنما بالصبر والايمان بالتغلب عليها. يواجه الأزمات فلا يفر من لقائها؛ بل يسعى لحلها، ويسعى لحلها بنفسه. ولا يستعين بغيره إلا إذا عجز ووثق من معونة ذلك الغير. يتحمل مسئوليته في الأحداث والتصرف في جماعته؛ يعترف بالخطأ إن كان تصرفه خطأ. لا يكذب، ولا يوراي، ولا يجادل، ولا يلتوي في دفع المسئولية الشخصية.
يشارك غيره في مسئوليته مجتمعه، كما يشاكره في تبادل العواطف السارة وغير السارة. الرشد الإنساني هو " الفصل " بين الذات وما عداها، والفصل بين القيم وعدم الخلط فيها. ونتيجة الفصل بين الذات وما عداها أنه لا يعتدي على ملك غيره، ولا على ما لغيره من حرمة في العرض أو حق في الرأي والاعتقاد. نتيجة الفصل بين الذات وما عداها أن يعرف ـ وينفذ ما يعرف في سلوكه ـ أنه فرد في مجتمع خاص، وأنه لذلك حر ولكن حريته محدودة بمجتمعه. فله أن يمارس نشاطه في كل ما يعود عليه بالنفع، ولكن بحيث لا يضر مجتمعه. وله أن يرى ويعتقد، ولكن دون أن يمس المقومات الأصيلة التي تحدد شخصية مجتمعه. وله أن يسلك على نحو ما يشاء في أكله وملبسه ونومه وحركته أيا كانت، ولكن بحيث لا يؤذي مجتمعه