/ صفحه 391 /
فإذا عرضت عليهم ما يستدل به الكوفيون من نحو قول الشاعر:
قومي ذرا المجد بانوها وقد علمت بكنه ذلك عدنان وقحطان
أجابوا: (باحتمال أن يكون دا المجد معمولا لوصف محذوف يفسره المذكور والأصل بانون ذرا المجد بانوها. وفيه أن اسم الفاعل عنا بمعنى المضى ومجرد من أل فلا عمل له فلا يفسر عاملا. وأجيب بأنه لا مانع من أن يراد بالوصف الدوام والاستمرار فيكون منزلة الحال في صحة العمل فيفسر عاملا كما قاله الناصر) (1) ا هـ.
فهل رأيت إباحة وتحريما وجدلا عقيما ووقتا مضيعاً كهذا...؟
و ـ حضر وخطب محمود: لمن الفاعل منهما؟ هذه إحدى مسائل باب التنازع. والثاني أولى عند البصريين في هذا المثال وأشباهه؛ لقربه ولو كان أضعف من الأول في العمل " كما يقول الصبان " في بعض الصور، والكوفيون يفضلون الأول لسبقه...
لعل فيما أوردناه من الأمثلة ما ينهض دليلا على أن " العامل " قد تجاوز اختصاصه حين أخرجه النحاة من دائرته المحمودة إلى التحكم في الألفاظ والتراكيب؛ ذلك التحكم الذي هو داعية الدهش بل السخط، وسبب من أسباب الإساءة إلى اللغة، وتعسيرها على المتعلمين، والراغبين فيها، والناطقين بها. ولا يكاد باب من أبواب النحو يخلو من أمثال تلك المسائل التي قدمناها نماذج وصورا موضحة، لم نقصد إلى تصيدها، ولم نرد بها الحصر أو ما يشبهه؛ فنظائرها كثيرات تتجاوز العشرات إلى المئات؛ لا مبالغة في هذا ولا تزيد. فلا عجب أن كان النحو بسببها معيبا، ومن أجلها قاصراً عن الإفادة المرجوة، والنفع الأكمل. ولا منص من تطهيره منها إن أردنا له صلاحا، وللغتنا تيسيراً.
والوسيلة الصحيحة لذلك أن ندع كل تأويل وتخريج، وأن نجري في الأمور على ظواهر الألفاظ كما رويت الينا (2)، ونبيح القياس عليها ومحاكاتها، ونغير من أصول القواعد النحوية ما يحرم هذا أو يعارضه؛ فتسلم الألفاظ والأساليب القديمة بغير حاجة إلى تخيل وتوهم، ويتسع مجال التعبير أمامنا من غير كلفة، ولا معاناة، ولا طول دراسة

ــــــــــ
(1) الصبان. عند مناقشة شرح الأشموني لبيت ابن مالك: وأبرزته مطلقا.
(2) بحيث لا يفسر لمعنى المراد.