/ صفحه 362/
حكم الاراضي في الشريعة الإسلامية
لحضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ محمد جواد مغنية
رئيس المحكمة الشرعية الجعفرية العليا ببيروت
ــــ
إذا بحثنا في كتب الحديث والفقه عن حكم الأراضي وجدنا الإسلام يعتبرها مباحة للجميع على السواء بحسب الأصل، لا يختص بشئ منها فرد دون فرد، أو فئة دون أخرى، وفي نفس الوقت نجد الإسلام يهتم أعظم الاهتمام بحياة الارض وجعلها عامرة مثمرة، لأنها الوسيلة الأولى للإنتاج، وأكثرها أهمية. قال الشهيد الثاني في كتاب المسالك: إن الله خلق الأرض للإنتفاع بها، فإذا تركناها دون استثمار، فقد صرفناها إلى غير ما خلقت له. وكانت الوسيلة لإحيائها آنذاك منحصرة بالعمل الفردي، لأن الظروف لم تكن تساعد على تشريع قانون لإصلاح الأراضي، أو لزراعة جماعية، وما إلى ذاك مما هو معروف الآن. من أجل هذا، من أجل أن تحيا الارض، ونتتج، ولا تترك عاطلة مهملة اعترف الإسلام بحق الفرد فيها إذا عمل على إحيائها وتعميرها، واعتمد مبدأ عاما فرضته الاحتياجات والأوضاع. وهو " من أحيا أرضاً ميتة فهي له... إن الأرض لله ولمن عمرها " وإذا أقر الإسلام هذا المبدأ، مبدأ الملكية الخاصة للأرض، فقد جعل سببها عرق الجبين، وكد اليمين، من أي كان دون تفاضل وامتياز إلا للعمل المثمر، وقد أباح الفرس حين كانوا سادة آسيا، أباحوا لمن يجلب ماء من الينبوع إلى محل لم يسق من قبل أن يتمتع به خمسة أجيال (1).
ومتى أحيا الإنسان ـ أي إنسان ـ أرضاً فهو أحق بها، حتى إذا تركها بعد الاحياء، ورجعت إلى ما كانت عليه تصبح مباحة لغيره. قال الشهيد الثاني في كتاب
ــــــــــ
(1) روح الشرائع لمنتسكيو ترجمة عادل زعيتر ج 1 ص 406.