/ صفحه 323/
البعوض، ومن المجاز: كلفتني مخَّ البعوض، أي الامر الشديد (1)، وذلك لضآلته البليغة....
والبعوضة في خرطومها تشَّبَّه بالفيل، إلا أن خرطومها أجوف، فإذا طعنت به في جوف الإنسان أو الحيوان استقت به الدم من جوفهما، وقذفت به إلى جوفها، فالخرطوم لها إذن كالبلعوم والحلقوم، وخرطومها هذا شديد العض، قوى على خرق الجلود الغلاظ، فهي تغمس خرطومها في جلد الجاموس كما يغمس الرجل أصابعه في الثريد، وينفذ خرطوم البعوضة في جلد الفيل والجاموس حتى ينفري الجلد ويتصدع لطعنة البعوضة!!....
وحدث محمد بن هاشم السدري قال: كنت بالزُّط (أرض بين البصرة وواسط) فكنت والله أرى البعوضة تطير عن ظهر الثور، فتسقط على الغصن من الأغصان، فتقلس (أي تقيء) ما في بطنها وتعود!!... ويقول الشاعر في خرطومها:
مثل السَّفاه دائم طنينها رُكِّب في خرطومها سكينها
والسفاة هي الشوكة؛ ولا عجب في قوة خرطومها، لأنها تعتمد عليه في غذائها، إذ غذاؤها وطعمها من دماء الحيوان (2)، وإنما يقوى سلطانها وهجومها بالليل.
ويذكر النويري أن خرطوم البعوض أجوف نافذ الخرق، فإذا طعن به جلد الإنسان استقي به الدم وقذف به إلى جوفه، وفيه من الشره أن يمتص من دم الإنسان إلى أن ينشق ويموت، أو يمتص إلى أن يعجز عن الطيران (3).
وقد تعجب الجافظ من صنع البعوضة في اغتذائها واهتدائها إلى الحصول على
ــــــــــ
(1) أساس البلاغة ج 1 ص 55 وفي معجم مقاييس اللغة لابن فارس: " وفي المثل: كلفتني مخ البعوض " انظر ج 1 ص 270، وفيه أيضا: " وأعز من مخة البعوض " انظر ج 4 ص 42.
(2) انظر الحيوان، ج 7 ص 179. وج 3 ص 316. ج 5 ص 399. وج 4 ص 314. وج 5 ص 398 و 402. 3 ص 528
(3) نهاية الأرب ج 10 ص 301.