/ صفحه 319 /
وقع من الانبياء فمثل داود وسليمان (عليهما السلام) في الحرث الذي حكما فيه باجتهاد منهما، فأصاب فيه سليمان وأخطأ داود. وقد اعترض على جواز اجتهاده (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنه يلزمه جواز مخالفته، لأنه يكون محتملا للإصابة ومحتملا للخطأ، ومخالفته (صلى الله عليه وآله وسلم) غير جائزة، وأجيب بأن اجتهاد ليس مثل اجتهاد غيره حتى تجوز مخالفته، لأن اجتهاده مقرون بالأمر باتباعه بخلاف اجتهاد غيره، هذا ولا ينافي جواز اجتهاده ما سبق من تأخره في بعض ما سئل عنه مثل زكاة الحمير، فإن تأخره إنما كان لجواز أن ينزل عليه وحي فيه، لأن جواز الاجتهاد له مشروط بعدم نزول الوحي، على أن تأخره يجوز أن يكون لمجرد التثبت في الجواب، والنظرفيما ينبغي النظر فيه في الحادثة، كما يقع لغيره من المجتهدين.
وقد اختلف من ذهب إلى جواز اجتهاده في جواز خطئة فيه كغيره من المجتهدين، فذهب بعضهم إلى عدم جواز الخطأ في اجتهاده لعصمته من الخطأ، وذهب بعضهم إلى أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) يجوز عليه الخطأ مثل غيره من المجتهدين، لأنه بشر مثلهم، ولكن إذا كان الاجتهاد الذي أخطأ فيه في أمر ديني وجب أن ينزل وحي ببيان ذلك الخطأ، لئلا يصير شرعا يتبع ولا تجوز مخالفته، ولا يصح أن يصل أمر الخطأ إلى هذا الحد ولو كان من النبي صلى الله عليه وسلم، أما إذا كان الخطأ في أمر من أ مور الدنيا فإنه لا يجب أن ينزل وحي ببيانه، لأن أمور الدنيا ليست كأمور الدين، فإن أمور الدين من شأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلا تؤخذ إلا عنه بالوحي أو بالاجتهاد، أما أمور الدنيا فشأنه فيها مثل شأن أصحابه، وقد كان يشاورهم فيها ويشاورونه، فيكون أمرها شورى بينهم، ويكون شأنه (صلى الله عليه وآله وسلم) فيها مثل شأن أي واحد منهم، فإذا أخطأ فيها لم يكن خطؤه شرعا يتبعن حتى يجب نزول وحي ببيانه، كما يجب نزول وحي ببيان الخطأ في أمور الدين، ولهذا اجمعوا فيما حكاه ابن حزم على أنه يجوز له (صلى الله عليه وآله وسلم) الاجتهاد فيما يتعلق بمصالح الدنيا، مثل تدبير الحروب وسياسة الدولة ونحو ذلك من الأمور، وعلى هذا يكون الخلاف السابق في اجتهاده (صلى الله عليه وآله وسلم) في أمور الدين.