/ صفحه 308/
بلغة فيها عنف، وفيها كذلك قطع في الأحكام، لا يكاد يقبل المراجعة، من مثل قوله عن المؤلف: " لا يزال إلى الآن يرتكب كثيراً من الغلطات اللغوية، ويأتي يجمل وتراكيب مفرغة في قالب الركاكة (1) ".
ويورد المؤلف إلى جانب ذلك رداً للأستاذ مصطفى جواد، ينقض فيه على الأستاذ داغر أقواله، يخظئ آراءه، ويخرج كلام الأب أنستاس بما يجعله كله في رأيه صوابا. ونلاحظ أن كلا النقدين، كدأب النقد اللغوي، قابل في الكثير من مسائلة للمناقشة والرد.
فليت شعري إلى متى نمضي على هذه الطريقة لا نحيد عنها؟ وماذا عسى أن يقول الناقدون المحدثون في الإبقاء عليها، والدفاع عنها بعد ما زالت الأسباب التي كانت تقتضيها على الصفة التي ذكرنا قبلا؟
ألم يكف أنها بلبلت آراء الناس في الكثير من مسائل اللغة، وزلزت ثقتهم في نقدها وتوجيه مشكلاتها، وأصبح للمتظرفين من هذه وتلك مادة وافرة للدعابة والعبث.
كم من كلمه عدت خاطئة، وحوسب أصحابها على استعمالها، وقاطعها الناس حينا، لا يعرفون لصحتها وجها، فطواها النسيان أو كاد، إلى أن هدى الله إلى صوابها، وخطإ المتجنين عليها، فعادت إلى مكانها بين الكلمات العاملة، تؤدي نصيبها من الخطاب والتعبير.
ومن ذلك ساهم في الأمر، وكسول في وصف المذكر، وغيرهما من الكلمات التي ظهرت صحتها من أمد بعيد. ومنها دعّم المضعف العين، ووصف جميع غير العاقل بصيغة فعلاء وغيرهما مما ظهرت صحته من أمد قريب. فقد لحظ أن دعّم المضعف غير وارد في المعاجم الشائعة الاستعمال، فهجره الخاصة في لغتهم، وغنوا عنه بدعم المخفف، لا يعدلون عنه، حتى عثر على المضعف في المخصص إذ يقول في باب ما يسقف به ويعمد: " دعمت الحائط ونحوه أدعمه، ودعّمته إذا مال فأقمته بخشبة ونحوها " (2).
ــــــــــ
(1) أغلاط اللغوييين الأقدمين: 11.
(2) المخصص: 5: 129.