/ صفحه 288/
في باطنه، إذن فتأبط شراً كان مصيباً حين اتهم رأى تلك المرأة: فهي حقاً لم تر من رأى قتيلا إذ خشيت تأميها من رجل شجاع كان حريا ان تقر به عيناً وتطيب نفساً.
قلت: هذا من حيث النظر، فأما من حيث واقع الأمر فلله ما أصدق فراستها... أصبحوا ذاك يوم فوجدوه قتيلا بين الصخور تتنافس فيه سباع السماء والارض.
قال: لكأنك كنت في الجي معهم وحفظت تاريخ الخطبة وتاريخ مصرعه، فكان الفرق الزمني بينهما قصيراً إلى حد يحملك على التعجب من فراسه تلك التي كانت تقراً عن ظهر الغيب... يا هذا. لا تأخذ الأمور هكذا في نزق كأنك ما زلت في ميعة الصبا بل الطفولة. حيث لا تبعة في قول ولا عمل.
قلت: يعلم الله أني ضربت في مفازة الكهولة ولكنكم مع هذا تجدونني أجهل روابط العلل بمعلولاتها.
قال: ليس ذلك ببدع. وإنما هي جد الانسان مذكان. وسيظل كذلك أبداً. ما إن يعلم علماً جديداً حتى يتبين له أن جهله أكثف مما كان يتصور. إنهم حين نزل قوله تعالى: " وما اوتيتم من العلم إلا قليلا " لم يكونوا يقدرون تلك القلة كما نقدرها نحن الآن. ولا ريب أن من سيعمرون الارض بعدنا سيكونون أصدق منا قدراً. على أن ثم حقيقة واضحة ما يزيدها كر الغداة ومر العشى إلا وضوحاً. ذلك أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان.. رحم الله أبا حامد الغزالي. لقد بسط هذه المسألة وزادها أيضاحاً حتى لكأنه أبو عذرتها.
قلت: مدى علمي أنه لم يبسطها ولم يبينها التبيين الشافي بدليل ما أثارت بعده من جدل عنيف بين أصحاب الكلام. فهذا يرفضها في إصرار وذاك يقبلها في اقتناع. وما أحسب أحداً جاء فيها بفصل الخطاب حتى كان " ليبنتس " ففصلها تفصيلا. ثم أجمل بيانه الشافي في عبارة لعلها في الغرب أشهر من عبارة الغزالي في الشرق.. قال ليبنتس: كل شئ أحسن في أحسن كون ممكن. يعني أولا: أنه سبحانه وتعالى عرض كل الأكوان الممكنة حال ثبوتها في ظلمة العدم. ثم اختار