/ صفحه 265/
يصف أسراب النسور المتتبعة للجيش: أنها عند اشتداد القتال تهبط على أعالي الأرض والهضاب وقد كساها ريشها الأدكن واقفة تحدق النظر تترقب الصرعى متحفزة لافتراسهم، فكأنهن في مرأى العين تلك الآونة جالسات جلوس الشيوخ وقد تدثروا بأكسية المرانب يصوبون أنظارهم إلى شيء بعيد عنهم.
فالتشبيه مركب في الهيئة والسكون وطرفاه كذلك.
4 ـ وقال مساور بن هند العبسى في وصف الوطب:
يحسبه الجاهل ما لم يعلما شيخا على كرسيه معمما (1)
ورد في الشطر الأول ضمير المشبه، ومرجع ذلك الضمير في بيت قبله، فدونك البيتين معاً:
مَثْنَى الوطاب الوطاب الزُّمّما وقِمَعا يُكسى ثُمالا قَشْعما
يحسبه الجاهل ما لم يعلما شيخاً على كرسيه معمما
وقبل تعيين ما عاد عليه الضمير في البيت نشرح ما فيه من كلمات تحتاج إلى البيان:
مثنى: مكررة، والوطاب جمع وطب: شقاء اللبن خاصة، والزمم جمع زام: ملئ، والقمع آلة تجعل في فم السقاء يصب فيها، والثمال جمع ثمالة الرغوة.
وفي البيت ما يصلح معادا لضمير المشبه، ولهذا اختلف نظر العلماء، فيرى أبو العباس ثعلب أن المشبه الوطب ويقول: " شبه وطب لبن ملفوف بكساء، بشيخ في هذه الصفة " (2).
وليس بزائد عن البيت ما جاء به أبو العباس في وصف وطب اللبن بملفوف بكساء، لما عرف عند العرب أنهم يلفون زق اللبن بكساء مخطط يقيه الشمس والهواء حتى يروب اللبن، ويقال لهذا الكساء: البجاد، ولهذا تداولوا التكنية عن اللبن بالملفف في البجاد، على سبيل الكناية عن موصوف.
ــــــــــ
(1) البيت من قصيدة مرجزة منقولة عن ضالة الأديب في خزنة الأدب الشاهد التاسع والأربعين بعد التسعمائة، ومختلف في قائلها، واقتصرنا على المشهور.
(2) مجالس ثعلب (2: 622) دار المعارف بمصر.