/ صفحه 263/
وإن اختلفت الصورة الخيالية المشتركة بين الطرفين، والهدف الذي يرمي إليه التشبيه في كل، لتغاير الشيخوخة المرعية في المشبه به: أشيخوخة تعمير أم توقير، بناء على الملاحظ في المشبه.
فلا يجمع الخمسة إلا الأمر العام، وهو أنها من باب التشبيه المركب الحسي البديع، وسترى الرد على من شرح البيت الرابع بمعنى البيت الأول (فاعتبارها كلها من باب التمثيل مجاراة للمذهب المرضى عليه عندهم: مذهب الخطيب، إذ لا يقول بالتمثيل فيها عبد القاهر والسكاكي) لهذا سنفرد كلا من الخمسة بكلمة مستقلة.
1 ـ قال امرؤ القيس الكندي في وصف جبل:
كأن ثبيراً في أفانين وبله كبير أناس في بجاد مُزَمل (1)
ثبير: جبل بعينه، أفانين: ضروب، والوبل: ما عظم من المطر ويقابله الطل: المطر الضعيف، وضمير وبله للسحاب في بيت قبله، والبجاد: كساء مخطط من أكسية الأعراب من وبر الإبل أو صوف الغنم، والمزمل: الملتف المتدثر.
وقد اختلفت في الرواية كلمات الشطر الأول، فروى: أبانا، وروى في عرانين، وروى ودقه.
ولا أثر لهذا الاختلاف إلا في الكلمة الثانية (أفانين وعرانين) وقد اخترت الأولى لمواتاتها المقصود من وجه الشبه في المشبه.
كل هذا هين بجانب الاضطراب بين شراح المعلقة في تعيين وجه الشبه المرعي في المشبه.
وقد اخترت منها أقربها قبولا في النفس وهو أنه شبه هذا الجبل بعد أن غمره الماء، وجرى في مسايل المنخفضات حوله فتشربت منه، وأنبتت الكلأ في جوانبه، فانتشرت منه خطوط من النبات الأخضر يخالف لونها بقية لون الجبل، ولم يسلم من تأثير الماء إلا قمته التي لا يقر فيها الماء.
فيبدو الجبل في المنظر وقد ألبسه الخصب الثوب المعلم كالشيخ المعمر الذي

ــــــــــ
(1) البيت من مطقته المضروب بها المثل في الشهرة.