/ صفحه 261/
أما أن يلحق بهم غيرهم ويضاهي بهم، مما تقع عليه العينان من صامت وناطق فيعز وجوده كما ورد في هذه الأبيات:
كأن ثَبيرا في عرانين وبْلِه كبير أناس في بِجَاد مزمَّل
وعجزاءُ دفت بالجناح كأنها مع الصبح شيخٌ في بجاد مقنعُ
تراهن خَلفَ القوم خُزْرا عيونها جلوس الشيوخ في ثياب المرانب
يحسبه الجاهلُ ما لم يعلما شيخا على كرسيه معمما
كأن حرباءها في كل هاجرة ذو شيبة من رجال الهند مصلوب
لما أبدعت من التشبيه بهم، وإذا ما نقبنا عن تمثيل على غرارها، فقلما نعثر على تعزيزها بسادس مثلا إلا بعد جهد جهيد.
فليس مقبولا أن يضم إليها مثلا تشبيه الناقة بالإمام تقدمت المطايا مصفوفة وراءها صف المأمومين في قول أبي نواس الحكمي من مدحه للخليفة الأمين:
تذرُ المطيَّ وراءها فكأنها صف تقدمُهُن وهي إمام
وإذا المطي بنا بلغن محمدا فظهورهن على الرحال حرام (1)
فإنه إنما عنى مماثلتها للإمام في سبق المأمومين، دون التفات إلى ملاحظة كبر الإمام سناً، إذ قد يكون الإمام فتى أو كهلا أو أشيب، وإن لزم من وراء هذا التشبيه أنها أقوى من النوق التي خلفتها في الشأن، لسرعة خطاها دونهن، فما لذلك من مدخل في إيحاء إلى تقدم الإمام في العمر، وقد حمد الأدباء في البيت الثاني لأبي نواس إحسانه في المكافأة للمطايا التي ستبلغهم الأمين، فقد استحقت منه ومن رفقته أن ترفع عنها بعدئذ مشاق الحمل، وتترك طليقة يقدم لها ما يشبعها وما يرويها، وتروح وتغدو في الكلأ ما شاءت، وإن أبا نواس منتهج في ذلك طريقة: أعشى قيس فإنه أول من ابتدعها، وذلك في وعده الجزاء الكريم لناقته في قصيدته التي أعدها لينشدها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ يقول:
ــــــــــ
(1) البيتان من القصيدة المشهورة التي حسده عليها أبو تمام وعارضها بموازنتها.