/ صفحه 204/
وما يعرض من أسئلة إنما يتصل بهذه المعلومات المهيأة لإلقائها عليكم، وفي مكنة المحاضر الإفادة لها لأنه أحاط بالموضوع قبلا خبراً.
نعم إن ما فرط من أسئلتكم التي أبيحت لكم دون إطار معين كانت حلا مؤقتاً انتهى أجلها، وأين نحن من جميل؟ فأننا في واد وجميل في واد.
ألا يحق لي بعدئذ أن ألزمكم الوقوف بعد ما فات، ففيما ذكرت مزدجر، على أنى لم أصدكم عن الأسئلة إلا لأدرأ عن نفسي وصمة العجز أمامكم إذا لم أحر جوابا، وإن كان ذلك غير مقيت عند أرباب الأحلام السليمة، فما للعلم نهاية ترام، لقد عقد السيوطي مبحثا خاصا: " ذكر من سئل من علماء العربية عن شيء فقال لا أدري " استعرض فيه بعض أسئلة القيت على بعض الموسومين بالعلم والمعرفة والشهرة الذائعة.
لكنهم ـ وقد تعسرت الإجابة عليهم ـ اعتذروا بما اقتنع به السائلون المتبصرون، بيد أن منها سؤالا من أحمق لم يحسن تقبل الاستعفاء من الاجابة، وأثار حفيظة المسؤول فلم يجد المسؤول بداً من أن يجهله ويزدريه في أسلوب لاذع مشين، ذكر السيوطي في نهاية السند " قال حدثني أبو عبد الله الزعفراني، قال كنت بحضرة أبي العباس ثعلب يوما، فسئل عن شيء فقال: لا أدري، فقيل له: أتقول لا أدري، وإليك تضرب أكباد الأبل، واليك الرحلة من كل بلد، فقال للسائل: لو كان لأمك بعدد لا أدري بعر لا استغنت " (1).
وما انتهيت من هذه التنبيهات الصارمة حتى يدهني قائل آخر منهم: إننا ازدرجنا وارتدعنا عن الأسئلة التي لا تثار من معلومات تتلى علينا، ويضيق المسئول بها ذرعا، فلا امتراء. أن الأسئلة العامة المباغتة عنت وإحراج. ولكن نبغي الآن أمراً آخر لا صلة له بالسؤال، بل يرجع على الاستيضاح لشيء تعهدتم به، ذلك أنكم نعتم ووصفتم صاحب الفوات " ابن شاكر " في الرسالة الغراء أنه وراق كخاطب ليل يجمع ما يقع في يديه، حتى تكاد الثقة

ــــــــــ
(1) المزهر النوع الحادي والأربعين، 2: 200 مطبعة السعادة.