/ صفحه 198/
سريعة إلى ما تغص به كتب النحو القديمة كافية لتأييد ما أقول. ونظرة أخرى إلى كتاب كالذي ألفه ابن خالويه، وسماه: " ليس في كلامهم " أو الذي ألفه الحريري، وسماه: " درة الغواص"، أو ما تموج به المراجع اللغوية كالقاموس وغيره من الكتب الكثيرة التي تتصدى للتخطئة ويتصدى غيرها للرد عليها ـ قاطعة في إظهار الفوضي التي أصابت فروع اللغة بسبب ذلك الخلاف. ولو أن الأوائل ـ عفا الله عنهم ـ قطعوا فيه برأي لأراحوا، ولقضوا على تلك البلبلة وما صحبها من جهد شاق، وتعويق لا يرضاه المخلصون، ولأغلقوا باب الجدل السقيم في كل العصور، وما تبعه من إرهاق العقول وتعجيزها.
وقد تجرد المجمع اللغوي (بالقاهرة) لهذه المشكلة، وراقبها من مختلف مناحيها، وانتهى فيها إلى رأي صريح قاطع هو (1): " (أن العرب الذين يوثق بعربيتهم، ويستشهد بكلامهم ـ هم عرب الأمصار إلى نهاية القرن الثاني، وأهل البدو من جزيرة العرب إلى آخر القرن الرابع.) " محتجا بأن اللغة ظلت سليمة في البوادي والحواضر طوال المدة السالفة وما ظهر فيها من خطأ أو لحن خلال تلك المدة ـ قليل يحسن الإغضاء عنه؛ تيسيراً لاستخدام اللغة، واتفاقا على رأي هو أقرب الآراء إلى الصواب، وأكملها نفعاً.
وواضح أن رأي المجمع يختلف عن الآراء السابقة التي سجلناها، ولكنه ـ بالنسبة إلينا ـ سديد، يضع الأمور مواضعها، ويدفع عن طريق اللغة عقبات كثيرة نحس ثقلها اليوم، وستختفي آثارها قريباً أو بعيداً بالأخذ به، ولن تتنوء بها الأجيال القادمة. ومن ثم كان الواجب تأييد هذا الرأي قولا وعملا، والايمان بأنه العلاج الناجع لداء وبيل نشكو منه.
نعم لم يرض عن هذا القرار بعض المعاصرين؛ زاعمين أن من الشعرا والناثرين بعد عصور الاحتجاج التي حددها قرار المجمع من هو قويم اللسان، سليم البيان، يصلح أن يكون مرجع استشهاد. ومرد حجة لكن فات هؤلاء ا لزاعمين

ــــــــــ
(1) مجلة المجمع ج 1 ص 202 ثم ص 303، 294 وما بعدها.