/ صفحه 18/
تلك هي خلافات المسلمين، وهي في باطنها تشير إلى الوحدة لا إلى الفرقة، وتنبئ عن الاجتماع لا عن التشتت. وما دام الحق هو المبتغي فالوصول إليه ليس بعسير إذا نظر كل فريق نظرة هادئة إلى ما عند سواه، فإن اقتنع بوجهة نظره فيها ونعمت، وإلا عذره فيما ثبت عنده واحترام رأيه فيه، ومثل هذا المسلك الطبيعي يحقق للأمة الخير، ويقابل بكل تقدير، وأكبر دليل على ذلك، ما قوبل به كتاب فقه الامامية الذي طبع في مصر أخيراً، فقد قوبل بتحريب حار، رغم أنه كتاب مذهب لم يكن معروفا عند الكثيرين، ورغم أن فيه خلافات في بعض مسائل فقهية اقتضتها طبيعة الفقه وطبيعة الاستنباط. والترحيب بهذا الكتاب يدل على أن المسلمين بطبيعتهم يحسنون التقدير.
أما الخلاف الذي لا نرحب به ولا نقبله، بل نرفضه ونقاومه، فهو الخلاف الذي تمليه الكراهية والبغضاء، وتغذيه الشبه والأوهام، ويوجد البلبلة في صفوف الأمة، ويؤدي إلى تفريق كلمة المسلمين.
ذلك خلاف لا يتفق والخلق الاسلامي، ولا يستند إلى المعارف الإسلامية؛ حمل لواءه مؤلفون كتبوا قبل التثبت تارة، وبداعي الغرض والهوى تارات، فسودوا صحيفة الشيعة في نظر أهل السنة، وسودوا صحيفة أهل السنة في نظر المتشيعين بعضهم خلط بين أهل السنة والنواصب، وأكثرهم خلطوا بين الشيعة والغلاة، وبينها وبين الفرق البائدة، والصقوا بها آراء لا تمت إليها بصلة، بل الشيعة منها براء.
وكم من كتب وضعت لتأجيج الخصومة بين طوائف المسلمين، وكم من أقلام أسفت في التجريح خدمة لحكام طغاة أقاموا عروشهم على أساس الخصومة بين المسلمين. وكان لهذه التآليف أسوأ الأثر في تصدع وحدة الأمة، فقد غرست البغضاء في القلوب، والظنة في العقول، وأبعدت طائفة كبيرة عن إخوانهم في الدين.
ثم جاء التقريب، فلم يدع على توحيد المذاهب، ولم يقصد إلى إلغاء الخلاف، وإنما نبه الوعي، وأوضح بأدق بيان وأوفاه أن الهجوم والتشنيع وجرح العواطف لا تخدم أي مذهب، وأن الإسفاف في السب والشتم لا يفيد أي طائفة، بل على العكس يجلب الضر لكل فريق.