/ صفحه 174/
وهذا كلام واضح صريح، في غير حاجة إلى تفسير ولا تعليق.
وأما قول الفقهاء: " يجب أقل الأمرين: من كذا، أو كذا "، فالخطأ فيه مبنى على أن: " من كذا أو كذا " بيان للأمرين، كما يظهر أنه سبق إلى فهم العلامة ابن هشام رحمه الله. وإذا كان الصواب أن يعطف الأمران بالواو، لا بأو، كما يصنع الفقهاء؛ لأن الواو هي التي تدل على ان ما بعدها تابع لما قبلها في الحكم، ولا كذلك أو، فإنها لأحد الشيئين، لا لهما جميعاً.
ولكن لا يبدو أن ثمة مانعا يمنع أن يكون " من كذا وكذا " بيانا لكلمة أقل، لا لكلمة الأمرين. لا يخفى أن أقل الأمرين واحد منهما، وليس بهما معا، وإذا يكون العطف بأو لا بالواو (1).
وأما قراءة ابن محيصن: " سواء عليهم أنذرتهم أو لم تنذرهم " فليس فيها شذوذ، إلا على الظن الذي سبق كذلك إلى ذهن ابن هشام. فالظاهر أنه يسوّي بين (أو) المسبوقة بالهمزة، و (أو) التي لم تسبق بها، يشهد لذلك أنه أورد الآية وعبارة الصحاح، مع (أو) المسبوقة بالهمزة، وعدهما داخلين تحت حكمها، مع أنه لا همزة في كل منهما، كأنه يظن أن الهمزة واجبة بعد كلمة (سواء)، فإن ذكرت فذاك، وإلا فهي ملحوظة في التقدير، وليس كذلك.
قال السيرا في: " وسواء إذا دخلت بعدها ألف الاستفهام لزمت (أم) بعدها، كقولك: سواء علىّ أقمت أم قعدت، وإذا كان بعد سواء فعلان بغير استفهام، كان لك عطف أحدهما على الآخر بأو، كقولك: سواء عليّ قمت أو قعدت.
وربما قيل: كيف يصح العطف (بأو) بعد سواء، مع أن (أو) لأحد الشيئين، وسواء لهما جميعا؟
ويجيب السيرافي عن هذا بأن الكلام محمول على معنى المجازاة: فإذا قلت سواء عليّ قمت أو قعدت، فتقديره: إن قمت أو قعدت فهما عليّ سواء. فليست

ــــــــــ
(1) حاشية الأمير على المغني: 1: 39.