/ صفحه 171 /
ونقرأ في درة الغواص في أوهام الخواص، قول المؤلف عن كلمة (سائر)، وهي أول ما أورده، وتحدث عنه من مسائل الكتاب: " فمن أوهامهم الفاضحة، وأغلاطهم الواضحة، أنهم يقولون: قدم سائر الحاج، واستوفى سائر الخراج، فيستعملون سائرا بمعنى الجميع. وهو في كلام العرب بمعنى الباقي. ومنه قيل لما يبقى في الإناء: سؤر ".
ولكن لماذا تغلب الشدة على النقد اللغوي، وتسمه هكذا بسمة الصرامة والعنف؟ يبدو أن ذلك راجع إلى طبيعته التي فطر عليها، والى ظروف الحياة الاجتماعية التي كان يحياها أهله في الزمن القديم.
فليس النقد اللغوي في طبيعته خلافا في ارتياء رأي، أو جدالا في استنباط حكم فيتسع مجال القول فيه. وبطول الأخذ والرد حوله، بين المختلفين أو المجادلين، بما يجد كل من أسباب الفلج والإقناع، ولكنه نظرات في الأثر الأدبي، فمآخذ تؤخذ عليه من اللغة وعلومها، إن كان ثمة مآخذ تؤخذ عليه.
وليس مفروضا أن يكون الأديب دائماً بمنزلة العالم اللغوي: تفقها في اللغة، وإحاطة بعلومها، إحاطة تخصص وانقطاع، فإذا اختلف الناقد والأديب لم يكن، ثمة اعتدال بينهما في الميزان، ولا تكافؤ في أسباب الحكم والنفاذ.
وأدب المرء عزيز عليه، لأنه بضعه أو كالبعضة منه. فهو من أجل هذا لا يكاد يطيق، ولا يكاد يقبل إذا ذكر، أن يذكر بغير الحمد والإعجاب. فلهذا وذاك قل أديب منقود يملك نفسه، أو يسيطر على أعصابه، فلا يثور ولا يسى الجواب.
أما الظروف الحياة الاجتماعية، فيعنينا منها فيها نحن بسبيله، أنه لم يكن للشعب إذ ذاك حقوق مصونة، ولا أسباب ممدودة، توجب على الدولة أن تكفل له العيش، وتيسر الحياة، فكان الأمر كله بيد الملوك والولاة، يعطون من يشاءون ويحرمون من يشاءون، للأسباب التي يرون أنها تستوجب الإعطاء أو تستوجب الحرمان، لا عاصم ولا رادع من سلطة أو تشريع. ولا تعدو الحال في جملتها،