/ صفحه 163/
وأما حالة الثانية فقد نص عليها سفر اللأويين إذ يقول: " إن قرب رجل بهيمة حكم على كليهما بالموت، وإن قربت امرأة حيواناً وجب قتل المرأة والحيوان " (1). ولا تقل هذه النصوص صراحة عن النصوص السابقة في اعتبار الحيوان في هاتين الصورتين أهلا لاحتمال المسئولية الجنائية وما يترتب عليها من جزاء.
وقد وقفت شرائع الأمم الأوروبية المسيحية في العصور الوسطى حيال الجريمة السابقة موقفا يشبه موقف الشريعة اليهودية، بل يبدو أنه مقتبس منها.
فكانت هذه الشرائع، في جميع الأمم الأوروبية تقريبا، تحكم بالإعدام (حرقاً في الغالب) على البهيمة التي يقربها إنسان، كما كانت تحكم بذلك على الإنسان نفسه الذي ارتكب هذا الجرم.
وذهبت هذه الشرائع كذلك في بعض الجرائم مذهبا ينظوي على التسليم بأهلية الجماد نفسه لاحتمال المسئولية والجزاء. فمن ذلك أنها كانت تحكم بإبادة الملف الخاص بقضية قربان الإنسان للبهيمة؛ فكان يقذف بهذا الملف في النار نفسها التي يلقي فيها بمرتكب الجرم وبالبهيمة. ومن ذلك أيضا أنها كانت تحكم بإبادة نسخ الكتب التي تصادرها الكنيسة أو بحرقها؛ وكان الموظفون المشرفون على تنفيذ أحكام الإعدام في الأناسي هم الذين يتولون تنفيذ هذه الإبادة أو هذا الإحراق.
وقد حرص قدماء اليونان أيما حرص على عقاب الحيوانات والجمادات المتسببة في هلاك إنسان، حتى لقد أنشئوا لذلك محكمة مستقلة بأثينا كان يطلق عليها اسم البريتانيون Prytaneon (وهم اسم المكان الذي كانت تعقد جلساتها فيه). وقد أشار ديموستين Demostene (384 ـ 322 ق م) إلى هذه المحكمة في عبارة تدل على أنها كانت لا تزال موجودة في عصره وذلك إذ يقول: " ا ذا سقطت صخرة أو قطعة حديد أو خشب على شخص فقتلته وجب أن تقام عليها الدعوى أمام محكمة البريتانيون ". ويفهم مما كتبه أرسطو في هذا الصدد أنه كان يحاكم أمامها كذلك الحيوانات المتسببة في موت الآدميين. ويظهر أنه كان يحكم على الجماد بالتحطيم وعلى الحيوان بالإعدام وأن كلبهما كان يقذف به عقب ذلك في خارج حدود البلاد (وهذه عقوبة ثانية تشبه عقوبة النفي التي تطبق

ــــــــــ
(1) سفر اللاويين إصحاح 20، فقرتي 15،16.