/ صفحه 136/
السمعاني:
لابد من كلمة لنا عن السمعاني فهو القاضي أبو سعيد عبد الكريم ابن أبي بكر محمد ابن المنصور بن محمد بن عبد الجبار التميمي السمعاني. وسمعان التي ينتسب إليها صاحب الأنساب بطن من تميم وإليه انتهت رياسة البيت السمعاني وبه تمت سيادتهم.
رحل في طلب العلم والحديث إلى شرق الدنيا وغربها وجنوبها وشمالها، وسافر إلى بلاد الترك وما وراء النهر وسائر بلاد خراسان عدة دفعات، وزار الري واصفهان وهمدان وبلاد الجبال، ويلاحظ من كتابه أن هذا الجزء الشرقي من العالم كان زاخراً بالعمران قبل اجتياح المغول فقد سمى السمعاني عدداً هائلا من الأقاليم والحواضر والبلدان والقرى في الديار الخراسانية وفيما وراء النهر بعد خراسان كبخارى وسمرقند والطاشقند إلى ديار السغد والترك وهي أقاليم تقطنها شعوب منها ما ينتمي إلى الآرية والفارسية والخراسانية ومنها ما يمت إلى الأصول الطورانية والتركية وقد تقبلت هذه الشعوب الثقافة الإسلامية عن طواعية وبصيرة ولم تتردد في أن تفني ذاتيتها في تلك الثقافة العظيمة لثقتها بأن في ذلك سعادتها وخلاصها وأن في ذلك مخرجا لها من الظلمات إلى النور. ولذلك أخرجت عدداً يخطئه الاحصاء من الائمة في الفقه والحديث والأدب وغير ذلك من فروع الثقافة العربية والاسلامية ويخيل إليك أن هذه الأقاليم من حيث وفرة سكانها وضخامة عمرانها ونشاط أبنائها في العصور العباسية المتوسطة والمتأخرة، نقول يخيل إليك أن تلك الأقاليم الإسلامية وهي تموج بمظاهر النشاط بعض هذه الأقاليم الأمريكية أو الفرنجية هذا اليوم. وكانت كل قرية أو حاضرة أو دسكرة من تلك الدسا كرلا تخلو من عالم أو أديب أو محدث أو أكثر ينتسب إليها وذلك في المائتين الخامسة والسادسة حتى إذا اجتاحها المغول فدمروا معالم تلك الحضارة الإسلامية. وقد أكثر أهل تلك الأقاليم الشرقية من الانتساب إلى الحرف والصناعات وشاعت هذه العادة عندهم كما يظهر من كتاب الأنساب وغلبت هذه الأنساب على علماء تلك الأقاليم ومحدثيها وأدبائها وهو أمر يدل على اتساع التعليم اتساعاً منقطع النظير حتى بين أبناء الطبقات الفقيرة وذوى الحرف البسيطة وكثر عدد المحدثين والفقهاء بين من يحترف الطحن