/ صفحه 65/
حتى يمكن أن يقال إن فهم تلك القصص أسهل علينا نحن من فهمها لأولئك الذين سمعوها لأول مرة. وذلك لأننا نستطيع أن نطلع عليها في مصادر أخرى لاتتيسر لاولئك المعاصرين لمحمد. ((ونجد على طول الخط جزءا كبيرا من اللغو والحشو الزائد ولا نجد في أي جزء تقدما ثابتا في القصص)).
وقد ذكر هذا النقد نفسه مختصرا ((نيكلسون)) في كتابه ((تاريخ العرب الأدبي)).
وللرد على ذلك نقول:
إنه لا يجوز مقابلة أسلوب القصص في القرآن بأسلوبه في التوراة وذلك لاختلاف الأغراض فيهما. ففي التوراة حوادث تاريخية منظمة تجري فيها الأخبار مجراها الواضح العادي. أما القرآن فإنه يقصد من عرض هذه القصص التوسل إلى التهذيب والعبرة فلم يكن المقصد الأسنى منها مجرد سرد حكاية وقصة بل البلوغ بالقاريء والسامع معا إلى مغزى أدبي أو عظة سامية كان يعلم الناس أن الله في جميع الأزمان الغابرة كان دائما أبدا يكافيء الأخيار ويعاقب الأشرار.
فسنة القرآن الكريم في ذكر القصص والوقائع مخالفة للمعهود من ذلك في أساليب التاريخ: من سردها مرتبة كما وقعت مفصلة كما حدثت وإن سبب هذه المخالفة في الترتيب مرتبط بالغاية التي يقصدها القرآن من ذكر تلك القصص وسرد تلك الأخبار فهو لا يسردها لأجل أن تكون تاريخا محفوظا على صورة كتب التاريخ التي تسجل فيها الوقائع على حسب زمن وقوعها وإنما هو يذكرها لأغراض له يعمد إليها وأهداف يقصد بلوغها: من موعظة وعبرة وأحكام عملية ومن تبيان لسنن عامة في سير المجتمع ونواميس مطردة في حياة الأمم وإصلاح الجماعات.
ذكر الأستاذ الإمام رحمه الله في تفسيره لسورة البقرة:
((القرآن حملات روحية خطابية لا يقصد بها تسلسل الخبر ولكن تستخدم فيها القصة للتذكير أو التهويل. فالقرآن ليس سفر تاريخ ولم تذكر أخبار الأولين فيه ليتلقاها المخاطبون كما يتلقون مسائل التاريخ فلا يضيره ألا تكون قصصه مسرودة فيه ومرتبة على نحو ترتيبها في كتب التاريخ وإنما هو يذكرها كلما سنحت لها مناسبة مقدمة أجزاؤها أو مؤخرة موجزة أو مسهبة)).