/ صفحه 56/
في التاريخ والأدب
لصاحب الفضيلة الشيخ محمد الطنطاوي
الأستاذ في كلية اللغة العربية
-6-
يزيد بن المهلب:
ورث يزيد عن أبيه المهلب البطولة والمروءة، فإن أبا سعيد المهلب جاهد الخوارج في الله، ولم يدع لهم ثغرة يلجون منها لبث عقائدهم التي تمزق وحدة جماعة المسلمين، حتى ضعفوا واستكانوا، وردوا نيوبهم في أفواههم، بعد غارات توالت منهم شغلت المهلب وذويه فترة عصيبة من الزمن دونها لهم التاريخ السليم.
وبعد هذا الجلاد المرير، وهدوء الثورات والاضطرابات كافاً الحجاج ابن يوسف الثقفي وإلى العراقين المهلب بمنحه خراسان ولاية تحت إمرته، إذ كان من حق وإلى العراقين حين ذاك أن يتصرف في خراسان بما يرعى فيه المصلحة، وقد وافق عبدالملك على هذا الاختيار الموفق.
تولى أبو سعيد خراسان في السنة التاسعة والسبعين الهجرية، فنشر في ربوعها الأمن ومهد لدعم أسباب الرخاء، وفاضت يمناه بالعطايا والمنن يوازره أنجاله الميامين الذين أشرب قلوبهم المحبة في حسن السمعة والثناء الجميل، إذ كان يردد أمامهم مستنهضاً هممهم: الثناء الحسن حسن خير من الحياة، ولو أعطيت ما لم يعطه أحد لأحببت أن تكون لي أذن أسمع بها ما يقال فيَّ غدا إذا مت. بل كثر ما ناداهم لهذه المكرمة العالية قائلا لهم: يا بنىّ أحسن ثيابكم ما كان على غيركم