/ صفحه 50/
وهؤلاء الذين أدركوا الوجود الإنساني على هذا النمو تخلصوا من خصائص الطفولة الإنسانية أو تخلصوا من عهد حيوانيتهم الطاغية وانتقلوا إلى عهد إنساني أرفع أو انتقلوا إلى العهد الإنساني وهو عهد الرشد والاكتمال البشري. فليس عهد الطفولة البشرية إلا ذلك العهد الذي لا يستطيع فيه الفرد الإنساني أن يميز نفسه من غيره، أو بعبارة أدق لا يستطيع فيه أن يعترف بالوجود لغيره. لأنه يتصور نفسه مركز العالم والوجود وأن ما في هذا الوجود من أجله ولمنفعته الخاصة. ولذلك لا يطيق الطفل - ومن في حكمه - أن يفقد شيئا في ملكه أو يتنازل عن شيء ليس في ملكه فحسب بل مما هو قريب منه مما يقع في دائرة إدراكه الحسي وليس من ملكه في شيء. كما أن سعيه في الحياة يتجه أولا للحرص على ما في يده لمنفعة نفسه خاصة ثم لتحصيل ما ليس في يده بالوسيلة المشروعة وغير المشروعة لمنفعته الخاصة كذلك.و هذا شأن سعي الحيوان: فأي حيوان في تصرفه وفي علاقته نحو حيوان آخر - ولو كان هذا الآخر ابنا له - لا يطيق أن يشترك معه في تناول ما يقدم إليهما على السواء أو فيما يجدانه معا مصادفة مما يصلح لرعي الحيوان ووقايته من الأذى. والسعي الحيواني لإنه سعي من أجل حفظ البقاء فقط اتخذه علماء النفس أساساً لقياس خصائص الطفولة الإنسانية عليه ومثلا لتوضيح هذه الخصائص عندما تشتبك مع خصائص أخرى عند الإنسان.
ومن هنا كان التعبير ب((الحياة الإنسانية)) عن نوع الحياة للذين أدركوا ذواتهم كأفراد وأدركوا غيرهم كمشاركين تعبير صدق. لإنه نوع يختلف تماما عن الحياة الحيوانية. وإذا قيل عن الذين شاركوا بسعيهم الفردي في خير غيرهم لا طمعا في تحصيل رضاهم ولكن تحقيقا للمثل الإنسانية، إذا قيل عن هؤلاء إنهم أسمى من أولئكم الذين وقفوا بسعيهم وكفاحهم عند حفظ بقائهم فذلك تعبير صدق أيضا. لأن سعيهم ليس سعيا للبقاء الحيواني بل لما هو أرفع منه.
وإذا قيل إن الإيمان بالله أبعد هدف ينتهي إليه سعي الإنسان وينتهي إليه