/ صفحه 423/
وقل مثل ذلك في الوحي، فهو حقيقة واقعة، ومن شأن الإيمان بها أن يوجه الإنسان إلى التماس هداية الله وتقبلها، وعدم اتباع الهوى، والتفرق بالنزعات، ولذلك عني الدين بها فقررها وبينها، وطلب إلى الناس أن يؤمنوا بها. وقل مثل ذلك في البعث والدار الآخرة وما يتصل بها. فهي حقائق غيبية يترتب على معرفتها والإيمان بها مصلحةعظمىللناس، إذ بها يعرف كل إنسان أنه محاسب على ما يعمل من خير أو شر، وأن الأمر ليس عبثا، وأن الناس لن يتركوا سدى وبهذا يتجه في حياته اتجاها مستقيما، ويعلم أنه إن خالف هذا الاتجاه المستقيم، فهو معرض لخطر شديد، ولخسران مبين.
هذا هو السر في الاهتمام بتلك الحقائق الثلاث، أو بتلك العقائد الأساسية في جميع الأديان، ومنه يتبين السر في عنايةالقرآن بقضية البعث والدار الآخرة، وما أعد الله فيها من ثواب وعقاب.
(ب) منهج القرآن الكريم في معالجة المنكرين لهذه الحقيقة:
إن إنكار البعث أو الشك في أمره يرجع في ذهن المنكر أو الشاك إلى ألوان ثلاثة من التفكير:
اللون الأول: هو استبعاد الأمر لما فيه من غرابة، ولأنه يخالف المألوف المعهود، فصاحب هذا اللون من التفكير يقول: هذا أمر لم أعهده ولم يعهده أحد من الناس قبلي، فما سمعنا أن ميتا قام من رمسه، ولا نستطيع أن نتصور جسما يتعفن ويصيبه الانحلال والفساد ثم البلى والذهاب في تراب الأرض، ثم يعود فتلتئم أجزاؤه، ويتماسك بعد الانحلال، بل بعد الفناء، وترجع إليه الحياة كما كانت إن هذا الأمر بعيد.
وقد جاء هذا الاستبعاد على لسان المنكرين في غير موضع من القرآن الكريم من مثل قوله تعالى: ((وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا؟))
((أئذا ضللنا في الأرض أئنا لفي خلق جديد)). ((أئذا متنا وكنا ترابا؟ ذلك رجع