/ صفحه 401/
3 رابعا: أوصى بعدم استغلال الضعيف: أوصى بعدم استغلال اليتيم، ومن على شاكلته، كالأجير، والخادم، ممن عليه رياسة بوجه ما. يقول الله تعالى: ((وآتوا اليتامى أموالهم، ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب، ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم، إنه كان حوبا كبيرا)).
ولفظ الآية وإن كان نصا في طلب تسليم أموال اليتامى - وهم القصر - إليهم بعد بلوغ الرشد، بدون مما طلة - لكنه يتجاوز ذلك إلى طلب تسليم الحقوق إلى أصحابها، الذين لهم وضع يشبه وضع اليتيم من الوصي عليه. فصاحب الرياسة مطالب بتسليم حقوق عماله إليهم، ورب الأسرة مطالب بتسليم حقوق زوجته وأولاده إليهم. وهكذا. ثم يصف سبحانه وتعالى أمساك تسليم الحقوق إلى أصحابها الضعاف باستبدال الخبيث بالطيب؛ أي بترك الطيب وأخذ الخبيث بدلا منه، ثم يصفه كذلك بأنه أكل، ثم بأنه ظلم، ثم بأنه ظلم غيرعادي، بل هو ظلم كبير.
أوصى القرآن بذلك، لأن استغلال القوي للضعيف يدل على أن الجماعة التي جمعتها: أي جمعت القوي والضعيف على هذا الوضع، ليست إلا وسيلة لتحقيق الأغراض الخاصة، وليست رعاية عامة لحقوق كل فرد منها. وإنما وجدت الجماعة للترابط في وحدة واحدة، والتعلق بهدف واحد، والاحتكام إلى ميزان واحد؛ هو العدل والتوازن.
4 خامسا: أوصى الإسلام بتقريب الفروق بين الأفراد، حتى لايشعر الفقير بحرمانه، ولا المريض بعجزه، ولا الجاهل بحمقه وسوء تصرفه، ولا الصغير بضعفه وحداثة عهده، ولا الشيخ بوهن شيخوخته:
فأوصى صاحب الثروة بالإنفاق، وصاحب الصحة بالمعاونة، وصاحب المعرفة بالتوجيه، والكبير برحمة الصغير، والصغير بتوقير الكبير. أوصى بذلك وبمثله. ولكنه شدد كثيرا في طلب بذل المال والإحسان لصاحب الحاجة من ذوى اليسار. وذلك لأن المال، من جانب، من شأنه أن يغرى صاحبه على عدم الإنفاق، كما أن الحرمان من المال، من جانب آخر، من شأنه أن يثير القلق