/ صفحه 40/
ظروف العصر، وأن يخفف من العناية بمضامين الكتب القديمة وبحوثها - بدأت تلك الدراسات الكاشفة تخبو وتضعف، وصار أعلامها في شبه عزلة وقطيعة، وبدا الظلام ينسدل على تلك الكنوز، وبعدت الشقة فيها بين السلف والخلف من الأزهريين والمثقفين على السواء:
ومن الطبيعي أن اندراس هذه الكتب القيمة وتواري أضوائها، خسارة لا تعوض، فهي تراث آبائنا وأجدادنا، وهي صور تنعكس فيها حياة أسلافنا، وهي قوام ديننا ومنهج دنيانا … وهي أقوم وأعظم موضح لدستور السماء الكريم: كتاب الله تعالى، ذلك الكتاب الذي لا ريب في ضرورته للحياة - حياة المسلمين وحياة الإنسانية جمعاء:
وما من شك في أن جمع هذه الأحكام وتبويبها على نسق مفصل، تظهر فيه حكمة التشريع، وتبدو منه الأسباب والوسائل والغايات، في أسلوب يسهل معه على غير الأزهري، أن يصل إلى معرفة الحكم الشرعي الذي ينشده - ما من شك في أن هذا العمل سيكون - إلى ما فيه من بر الخلف بالسلف، وما فيه أيضاً من المحافظة على أقوم صور الحياة الخلقية - دعامة تدعم خلود الذين أسهموا فيه، وأصروا على الاستضاءة بأنواره والاستفادة من معارفه … وسيكون أيضا دعاية طيبة كريمة لهذا البلد وثورته الناهضة على أسس أسلافها القويمة … ومعلوم أن مصر الآن، ملتقى شعور العالم كله، ومحط أنظاره، والإجماع منعقد على أنها البلد الذي يحمي التراث الإسلامي، ويحرص عليه، ويدرك - جيداً- مدى حاجة الحياة الإنسانية إليه.
بل ما من شك في أن هذا العمل، سيعده التاريخ بعثاً جديداً، لأن الدوائر العلمية والثقافية العالمية، ما بين جامعية وغير جامعية، ستقصده، وتستعين به، وتعتمد عليه في تعرف أوضاع الحياة السليمة، ومناهجها وقوانينها.
وسيكون من أثر هذا، أن تستعير منا الأمم الأخرى أحكام القوانين، بدلا مما نحن فيه الآن، من استعارتنا للقوانين الغربية، برغم أنها مستقاة - في الكثير من موادها - من التراث الفقهي الإسلامي!!