/ صفحه 373/
ومحتمل أن يكون الاستطراد من هذا الأصل أو من ذاك، وإذاً يكون المعنى على أنه من الخروج: أن الكلام في المقام الذي يكون فيه استطراد، يغرى المتكلم بالعدول عن وجهه إلى حين، والأخذ في فن آخر، لمناسبةتسوغ هذا العدول، وتمهد له السبيل.
ويكون المعنى أيضا على أنه من التساوق والاتباع: أن الكلام يغرى المتكلم برعايةالنسق للمناسبةالعارضة، فيرسل الكلام على ما تقتضيه، ليمضى تابعا بعضه بعضا، وجاريا بعضه في إثر بعض. ومثل المتكلم المستطرد على كل حال، كمثل من يطرد صيدا، ثم يعن له صيد آخر فيطرده، ثم يرجع إلى الأول فيشغل به.(1)
والاستطراد في الأصل ظاهرةمن ظواهر العقل غير الناضج، ولذا يقل عند الكبار والمثقفين، ويكثر عند الأطفال وغير المثقفين؛ لأن الطفل ملول يحب التجديد، حتى لا يكاد يصبر على حال، أو يطيق قصر انتباهه على شيء، إلا قليلا. مثله كمثل النحلة الطلوب، لا تكاد تستقر علىزهرة أو ثمرةحتى تتحول عنها إلى أخرى.
ويشبهه في ذلك الذين لم يتح لهم نصيب من ثقافة أو تعليم، لأن المناسبة العارضة تزين الاستطراد وتغري به، إلا أن ذوى العقول الناشئة ومن إليهم، لا يستطيعون مقاومتها، ولا الامتناع عليها، كما يستطيع الآخرون في أكثر الأحوال، فيشققون الحديث، ويذهبون به مذاهب شتى.
ولو أننا أخذنا ورقةو قلما، ورحنا نتتبع اطراد المنطق، وتسلسل الوقائع في حديث طفل، أو شخص غير مثقف، نرسم خطا مستقيما كلما استقام الحديث على الطريقة، ونميل به يمينا أو شمالا كلما انحرف هنا أو هناك - لخلصنا في نهايةالحديث بخط تقل فيه الاستقامة، ويكثر الالتواء فيه والتعريج.
على أن ذلك كله لا يمنع الاستطراد الفنى أن يعد نوعا من البديع، يحمده علماء البلاغة وينوهون به، ويصطنعه الأدباء ويفتنون فيه، لأنه لا يعدو أن يكون بموضعه كالجملةالاعتراضيةبموضعها: كل يفصل قليلا بين طرفي الكلام، وكل له
*(هوامش)*
(1) راجع الطراز: 3: 11- 13.