/ صفحه 357/
ولقد ذم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) العلماءالذين لا يعملون بما يعلمون، ولذا قال عليه الصلاة والسلام: ((من ازداد علما ولم يزدد هدى لم يزدد من الله إلا بعدا)).
وإن العلم والإيمان إن لم يصحبهما عمل يناسبهما كانا قولا أجوف لا لب به، ولقد ندد الله تعالى بالذين يقولون بعلم لايعملون به، فقد قال تعالى: ((يأيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون، كبر مقتا عندالله أن تقولوا ما لا تفعلون)).
4 وإن الإيمان الحقيقي يحتاج لكى يثمر ثمراته أن يكون معه صبر قوي، فإن الإيمان إذعان، والإذعان لموجب الحكم الفاضل يحتاج إلى صبر، والصبر يحتاج إلى عزيمةو إرادة، وإنه من أصعب الأمور على النفوس الصبر الذي يجعل تناسبا بين موجب الإيمان ومقتضيات العمل، وإن الله تعالىأمرنا لكي يتناسب العمل مع الإيمان أن نستعين بالصبر والصلاة، ولذا قال تعالى: ((واستعينوا بالصبر والصلاة، وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين)).
وإنها استعانةبأمرين كلاهما يدفع إلى العمل الصالح، ويجنب النفس من العمل الفاسد، فأما الصبر فهو قدع النفوس عن شهواتها، وحبسها عن أهوائها، وتقوية العزيمةو إرهافها وجعلها ماضيةلا تعوقها أهواءالنفس؛ ولذلك أمر الله تعالى بالصبر في القرآن أكثر من سبعين مرة، لأنه العنصر الأول لتربيةالإرادة المهذبة القوية التي تقصد إلىالخير، وإن الإنسان من غير هذه الإرادةيكون جزوعا هلوعا، وإذا مسه الخير كان منوعا، ليس له منطق في قوله ولا في عمله، أما الصبور فإنه يتحمل في الشديدة، ولا تؤثر فيه المكيدة، ولقد قال الله تعالى في وصف النفس الإنسانيةغير الصابرة، والنفس الصابرة: ((ولئن أذقنا الإنسان منا رحمةثم نزعناها منه إنهن ليئوس كفور، ولئن أذقناه نعماءبعد ضراءمسته ليقولن ذهب السيئات عني إنه لفرح فخور، إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة وأجر كبير)).
وإنه لا يحتسب الجزاء إلا بالصبر على المكاره، وإنه بمقدار الصبر في البلاء يكون الجزاء، ويكون العمل المثمر المنتج، ولقد قال تعالى: ((أم حسبتم أن تدخلوا الجنة، ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متىنصر الله، ألا إن نصر الله قريب.