/ صفحه 32/
2 ـ فالإسلام بلا ريب حث على مكارم الأخلاق، ولكن ما أساس الخلق الإسلامي؟ أهو لطف المعشر، وحسن المودة، والإلف والائتلاف، أم هو النفع العام لبني الإنسان، أم هو الضمير المستيقظ الذي يشعر فيه المؤمن برقابة الديان، أم هو الإحساس بالواجب أم هو الرغبة في الكمال المطلق؟
إن الفلاسفة منذ عهد سقراط الذي جعل نفس الإنسان محور فلسفته إلى الآن، والعلماء يفكرون في مقياس ضابط للأخلاق بحيث يكون عاما شاملا، لا تحده الأقطار، ولا تمنع عمومه الأمصار، فمن قائل إنه المعرفة الصحيحة التي توجه إلى العمل وتدفع الإنسان إلى السير على مقتضاها، ومن قائل إنها الوسط والاعتدال في كل شيء، ولذا يقول قائلهم: ((كل فضيلة وسط بين رذيلتين)). ومن قائل إنها المنفعة لأكبر عدد، بأطول زمن وأكبر مقدار، ومن قائل إنها العدالة، ومن قائل إنها السمو نحو الكمال ومن قائل إنها الواجب الذي ينظم سلوك الإنسان تحت سلطان هذه القاعدة، وهي أن ما يفعله الإنسان يفرض أن غيره يفعله، فإن ترتب على عمومه فساد فهو شر، والإقدام عليه ليس من الأخلاق، وإن ترتب عليه نفع ودفع للفساد فهو خير وهو من الأخلاق.
هذا عرض للأسس الخلقية التي تكلم فيها الناس، واختلفت فيها نظريات الفلاسفة، فما هو أساس الأخلاق الفاضلة في الإسلام؟ أهو واحد من هذه الأسس، أم أن له أساساً قائما بذاته يدخل في عمومه هذه الأسس كلها؟
إننا نتلمس ذلك من نصوص القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف؛ فإنهما محجة هذه الشريعة ونورها المبين، وإنه بالاستقراء نجد الأحاديث النبوية والآيات القرآنية تتجه في معاني الإسلام إلى
معنى جامع لكل ما يدعو إليه، وإنه ليدعو إلى كل ما هو خير وما هو فضيلة وقد اشتمل عليه القرآن حتى لقد سئلت عائشة أم المؤمنين عن خلق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقالت ((كان خلقه القرآن)).
وذلك المعنى الجامع الذي تتلتقي عنده كل معاني النصوص هو الاسقامة،