/ صفحه 312/
بدونها، فيعطى بذلك فكرة واضحة عن أن المشرع لا يشرع لمجرد الرغبة في أن يشرع، ولكن ليحقق مصلحة معينة بعد أن تتضح حاجة المجتمع إلى تحقيقها.
وعدم صلاحه بدونها.
ومن ذلك أنه يعلل لكثير من الأحكام تعليلات تبين أحيانا الباعث الذي يبعث عليها، وأحيانا المصلحة التي تتضمنها، وأحيانا المضار التي تترتب على إهمالها وعدم الأخذ بها.
1- يقول الله تعالى في تحريم نكاح المشركات والإنكاح إلى المشركين: ((ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن، ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم، ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا، ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم، أولئك يدعون إلى النار، والله يدعوا إلى الجنة والمغفرة بإذنه، ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون)).
لا شك أن أمر النكاح واختيار الزوجة أو الزوج أمر له أهميته وخطورته، ولا شك أن البيئة الإسلامية بيئة مقتطعة من بيئة العرب المشركين، وقد كانوا جميعاً أهل وطن واحد، وبينهم وشائج قربى وصلات معاملة، وأنواع من الصداقات والتعارف، فإذا أراد أحد المسلمين أو المسلمات أن يتزوج، ووقع اختيار الرجل علي مشركة، أو خطب المرأة مشرك، فليس هذا عجبا، وربما طغت عليهما عوامل الرغبة والحرص على هذه الزوجية فقدماها على عوامل الأخوة الدينية، فلما حرم الله زواج المشركين والمشركات قرنه بأمرين يبرّرانه:
أحدهما: أن الاختيار الزوجي لم تقصره الطبيعة على جانب معين، حتى يشعر الإنسان بأنه إذا لم يفز ببغيته ويحقق طلبته من هذا الأفق بالذات فإنها لا تتحقق، ولكن في أفقه الخاص المحيط به المشارك له في العقيدة والرأي؛ فرصا للاختيار يتحقق بها مطلب من لا يريد التعنت، فيمكنه أن يجد زوجات مؤمنات وأزواجا مؤمنين، وإذا كان في جانب المشركين والمشركات شيء من عوامل الإغراء والترجيح أثار في نفسه الإعجاب، فليذكر أن الإيمان صفة ترجح سائر الصفات