/ صفحه 264/
وأرى لزاما على في هذا الموقف الفني الخالص أن أشير إلى أمرين هامين بعيدي الأثر، لم يتنبه لهما دعاة التجديد.
أما أولهما فهو أن ترك الشكل في الكتابة العربية ليس أصلا من أصولها، ولا ضرورة محتومة فيها، بل ربما كان العكس هو الحق كما ينطق بذلك تاريخ الخط، فالكاتب العربي حر في أن يضبط بالشكل حروفه كلها أو بعضها، وفي أن يترك الحروف بلا ضبط حين يأمن اللبس ولا يخشى الزلل، وحين يطمئن إلى السداد في قراءة ما يكتب قراءة لا عناء فيها ولا إخلال، وهذا حق مباح لكل كاتب، وبخاصة حين يكتب لمن اتسعت خبرته، ونمت في فروع اللغة معارفه، وبلغ الحد الذي يصبح الضبط فيه ضربا من العبث وإضاعة الوقت، عندئذ يكون ترك الضبط والتشكيل أليق، وهو بهذه الحالة أنسب، إذ يعد بحق نوعا من الاختزال الشائع في عصرنا، عرفه قدماؤنا منذ مئات السنين، وفيه من ادخار الجهد والوقت ما لا يخفى، وهذه مزية ليست للضبط اللاتيني الذي لا انفكاك عنه في أية حالة، ولا خلاص من التزامه في كل المناسبات.
وأما ثانيهما فهو أن استبدال الحروف اللاتينية بالحروف العربية ليس إلا اقتراحا خداع المظهر، وهمي الأثر، لا يثبت على النظرة الصائبة، ولا الدراسة الفاحصة، فإن الهاتفين به يلوحون بفائدته التي أشرنا إليها آنفا، وهي القراءة بغير خطاء، وبغير حاجة ألى تفكر سابق، وهذه الفائدة متحققة في كتابتنا العربية المشكولة - كما أسلفنا - ونزيد هنا أن أولئك الهاتفين لم يفطنوا إلى طبيعة اللغة العربية التي تخالف طبيعة كثير من اللغات، فلغتنا لغة إعراب فأواخر كلماتها ليست كغيرها ساكنة بل لا بد من تغيير تلك الأواخر بحسب وضعها في الأساليب المختلفة، وهذا التغيير قد يتناول الحركات أو الحروف أو هما معا، وهو رهن بمعارف نحوية ولغوية متعددة فوق أنواع أخرى من التغيير تشمل الحروف التي في أواخر الكلمات أو أوائلها أو أوساطها، فلا سبيل لمن شاء أن يكتب مثل: إن الله يحب الذين اتقوا، وآمنوا، وعملوا الصالحات، وصفت نفوسهم من أدران السوء، وطهرت