/ صفحه 233/
أمر الشارع بها أو نهيه عنها حتى يقال: ((لو انعكس الأمر وأمرت الشرائع السماوية بالزنا، وحرمت الزواج لا نعكس الحكم وانعكس الوصف، وصار الزنا حسنا مطلوبا، وكان الزواج قبيحا محرما)) وهذه مسألة قد بحثها علماء الأصول، ونكل الفصل فيها لأرباب العقول التي تعرف وتؤمن بحكمة الشرائع، وحكمة التحليل لما تحل، والتحريم لما تحرم، والأمر في المسألة بين واضح لا يحتاج إلى برهان، ولا يحتمل معارضة ولا مناقشة.
وقد جاءت كلمات ((فاحشة، وفحشاء، وفواحش)) في كثير من آيات القرآن عامة لا تختص بنوع معين، أو فعل خاص مما عرفت شناعته وقبحه، ومن ذلك قوله تعالى: ((إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر)) وقوله: ((إن الله لا يأمر بالفحشاء)). ((قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن)). ((يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة)) وإذن، فالكلمات ليست خاصة بالاعتداء على العرض وإن كان قد أريد منها في بعض إطلاقاته، نظرا لشدة قبحه واستهجان النفوس له، وليس لهذا لأنها خاصة به ولا تطلق علي غيره، وفي قوله تعالى: ((ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا)) وقوله: ((ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف، أنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا)) في هاتين الآيتين دلالة واضحة في أن الاعتداء على العرض وزواج امرأة الأب، كلاهما فاحشة، وإذن، فالزنا ليس وحده هو الفاحشة.
هذا وقد كان لفاحشة الاعتداء على العرض في الجاهلية شيوع ونظام، وكان الوجهاء والرءوس لا يرتكبونه إلا سرا ونادرا، ويستقبحونه علانية، وكان أراذل القوم وأدنياؤهم يألفونه ويرتكبونه في بيوت علانية تعرف بالمواخير، تعد لذلك، وتوضع عليها أعلام تميزها عن بيوت الشريفات الحرائر، وليس في كل ما تطلق عليه كلمة فاحشة، أبشع ولا أفحش من تلك الرذيلة التي تجعل أفراد الإنسان الذي كرمه الله وفضله على كثير من خلقه أشبه بالحيوانات التي لا تعرف للشرف مكانة، ولا للعرض قيمة، ولا للأنساب فضلا وكرامة، وقد جاء الإسلام وكرامة الإنسان