/ صفحه 171/
الرغبة في أن يفارق عهد الطفولة ويدخل دور ((الكبار)) وهذه الرغبة تدفعه إلى أن يبرهن على وجوده كإنسان كبير: فإما أن يعشق المثل الرفيعة، وفي مقدمتها الله، ويعمل على أن يكون خيَّرا كما يصنع الكبار المهذبون، وإما أن يتصرف في الجانب الحيواني تصرف الانسان البالغ بلوغا حيوانيا، فيستذل لشهوته الجنسية، ويخضع للسانه النابي، ومنطقه المتحرف: لا يقبل مشورة في التوجيه، ولا يعرف تقديرا للقيم المعنوية، مما يسمى فضائل، كالأخوة والمعاونة، ولا يرعى حرمة لغيره.
يستبيح كل شيء في سبيل شيء واحد، هو البرهنة على أنه إنسان تجاوز الطفولة، وأصبح في عداد ((الكبار)).
هذا التأرجح بين المثالية والحيوانية، في حياة الإنسان المراهق، هو أهم ظاهرة للمراهقة، لأنها بدورها ئقع بين مرحلتين متقابلتين في تطور الإنسان: بين الطفولة وهي أقرب إلى الحيوانية، وبين البلوغ الرشدي، وهو أقرب إلى اكتمال الإنسان، كإنسان، في عقله وسلوكه.
فإذا لم يكن هناك تنسيق في توجيه المراهق بين مصادر التوجيه العديدة: من المدرسة، إلى الإذاعة، إلى الصحافة، إلى النشر، تبع المراهق من توجيهها، ما كان أقربها إلى الجانب الحيواني فيه، لأن اتباعه أيسر عليه من الصعود إلى المثالية أو النضج البشري والتكامل الإنساني، فيسير على الإنسان أن يبقى طفلا، ويتصرف تصرف الأطفال، من أن يرقى إلى إنسان مهذب يتصرف تصرف الراشدين، يسير على الانسان أن يكون أنانيا، وشاق عليه أن يتنازل عن جزء من أنانيته في سبيل غيره وجماعته، يسير على الإنسان أن يجمع المال وصعب عليه أن يخرج منه شيئا لغيره، يسير عليه أن يعتدي على حقوق غيره، وصعب عليه أن يقر هذه الحقوق ويسلمها لغيره، يسير عليه أن يأكل حتى يتخم، وصعب عليه أن يشرك في هذا القدر غيره ممن يحتاج إليه … وهكذا.
وليست رسالة الإسلام كدين، سوى أن ينزع الإنسان من أنانيته المطلقة، إلى ذاتية اجتماعية، رسالة الإسلام في أن ينقل الإنسان الطفل من طفولته