/ صفحه 132/
3 الكذب في النفس على نقيض آثار الصدق في النفس، فهو يفسد القلب، ويفسد الفكر، ويطفىء نور الحكمة، وإن الكذب والنفاق يخرجان من نفس واحدة، ويتجهان في مقصد واحد كخطين متوازيين قاما من مكان واحد من نقطتين متقاربتين وينتهيان إلى غاية واحدة، وإن ذهب كل واحد منهما إلى موضع فيها يخالف موضع الآخر، ولكنه يقويه ويرويه، ولذلك كان النفاق والكذب متلازمين، فما من منافق إلا كان كذابا، وما من كذاب إلا كان فيه بضعة من نفاق، وإن النفاق يبتديء بنفاق النفس، إذ يكذب عليها ويخادعها، ثم ينتهى بالكذب على الناس، فإذا مرد على الكذب، فإنه لا محالة سيمرد على النفاق، فهما توءمان ولدا في وقت واحد وعاشا في رحم واحدة، وتغذيا من ثدي واحدة، ولذلك اعتبر (صلى الله عليه وآله وسلم) الكذب أول أمارات النفاق، فقال عليه الصلاة والسلام: ((آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان)) فهي خبائث ثلاث يأخذ بعضها بحجز بعض، وتتسابق في نفس المنافق، حتى لا يدري أيها السابق إليها، وأيها اللاحق لصاحبه، وأيها المؤثر في صاحبه، والدافع له، وعندي أن الكذب أساسها، وهو ابتداؤها. وهو المؤثر فيها، بدليل أنه يكون حتما جزءا من صاحبيه، فلا أمانة لكذاب، ولا نفاق من غير كذب، ولا خيانة مع صدق، وننتهى من هذا إلى أن الكذب والإخلاص نقيضان لا يجتمعان.
ولذلك كان الكذب يهدى إلى الفجور، لأنه يميت الإخلاص، وإذا مات الإخلاص تفتحت سبل الشيطان ومخارف الأهواء، فيندفع فيها اندفاعا، وتتفجر أمامه أسباب الفساد، من غير حائل من حياء ولا زاجر من ضمير، وبذلك يكون الشر المستطير.
وإن الكذب يبتديء بذرا ضئيلا في العين، وإن كان خبيث الحقيقة، فإذا ألفه الشخص نما واستغلظ وقوي حتى يصير الشخص عند الله كذابا، وعندئذ تكون الموبقات كلها، ويكون الشر كله، وتكون خبائث النفس وخبائث الأقوال والأفعال، وتنحل عرا الخير في قلبه عروة عروة، ولا يبقى له من الإنسانية إلا رسمها وشكلها.