/ صفحه 68/
وذلك عقب انتهاء الحكم التركى الاول في بلاد اليمن بجلاء جميع القوات العثمانية المستعمرة في آخر مدة أخيه الاكبر الامام(المؤيد بالله محمد بن القاسم).
ولقد كان الحامل للواء هذه النهضة العلمية التي كان مبدأها الاول (الحرية الفكرية) والاجتهاد المطلق هو الامام (القاسم بن محمد نفسه) فقد كان من دعاة الاجتهاد كما كان من أبطال الجهاد ومكافحى الاستعمار، وقد كان من جملة مؤلفاته القيمة كتابه الذي سماه: (الارشاد الى تيسر الاجتهاد) وقد شاركه في دعوتيه الاصلاحيتين - الدعوة الى الاجتهاد في العلم والدعوة الى الجهاد في سبيل الاستقلال - جميع أولاده الاشبال. وأحفاده الابطال فقد كانوا جميعاً رجال علم وجهاد وأرباب سيف وقلم، وهل ينسى التاريخ اليمنى ورجال التاريخ اليمنى (أن الحسين بن القاسم بن محمد) أخرج لامته أعظم كتاب ألف لهم في علم الاصول أيام جلوسه بقرية (حدّة) أثناء محصارته للقوات العثمانية المستعمرة التي كانت يومئذ محتلة احتلالا عسكرياً للعاصمة اليمنية صنعاء، فهلا تسمع التاريخ الإسلامي في
عصوره المتأخرة مثل هذا أو قريباً من هذا.
ولقد كان من نتائج هذا النشاط العلمى العظيم الذي ظهر في شباب هذه الدولة العظيمة وكهولتها حركة علمية عظيمة سارت على مبدأ الحرية الفكرية في جوّ يسوده التسامح والانصاف، استمدادها من الكتاب والسنة، وغايتها رضا الله تعالى في طلب الحق، وخدمة الاسلام، ونشر العلم.
وقد كان من أبطال هذه النهضة العلمية ذات الحرية الفكرية والاجتهاد المطلق السيد الحسن بن أحمد الجلال، والشيخ صالح المقبلى، والسيد محمد بن اسماعيل الامير الصنعانى، والقاضى محمد بن على الشوكانى(1). وغيرهم من المصلحين الذين
ــــــــــ
1- توفي الجلال سنة 1084، وتوفي المقبلى في القرن الثاني عشر، ولكنه كان قد أخرج بعض مؤلفاته التي أعلن فيها اجتهاده المطلق كالعلم الشامخ في آخر القرن الحادي عشر سنة 1088، ولهذا نقلت أنموذجا من أفكارهما في آخر مقالي هذا، أما الامير فهو من رجال القرن الثاني عشر توفى سنة 1182، وأما الشوكاني فهو من رجال القرن الثالث عشر توفى سنة 1350، وسأفرد لهما مقالا مستقلا ان شاء الله وأنقل أنموذجاً من أفكارهما كما نقلت هنا نموذجاً من أفكار الجلال المقبلي.