/ صفحه 49/
لمذهب يستدعى ثبوته للجميع بدون أدنى تفاوت، وهذ بديهي كالقول بأن المساويين لثالث متساويان.
وكما لا يسوغ نفي الإسلام عن مذهب إسلامي; لا يسوغ أيضاً نسبة حكم في مذهب إسلامي إلى الإسلام بنحو الإطلاق، فلا ينبغي أن يقال: ثبت في الشريعة الإسلامية أو في الفقه الإسلامي كذا، إذا لم تتفق عليه جميع المذاهب السنية والشيعية، بل لا ينبغي أن يقال: السنة تقول كذا إذا خالف أحد مذاهبها، وإنما يقال: ثبت في المذهب الإسلامي الحنفي، أو المذهب الإسلامي الجعفري.
الثاني: أن الإسلام هو الدستور الذي بُينت مواده وأحكامه في الكتاب والسنة، وهي أحكام واقعية ثابتة لا تختلف باختلاف علم المكلفين بها أو جهلهم، أما المذهب فهو عبارة عن رأى صاحبه وفكرته عن الإسلام أو بعض أحكامه، فإذا
كانت فكرته انعكاسا حقيقياً عن حكم الله فهي صواب، والإفخطأ يعذر صاحبه إذا كان قد أفرغ الوسع في البحث والتنقيب عن الدليل، وعليه يكون الفرق بينهما كالفرق بين الوجود الخارجي والوجود الذهني، بين الحقيقة الواقعية وتصورها.
ومن ثمرات هذا الفرق أن مخالفة المذهب ليست دائماً مخالفة لواقع الإسلام وحقيقته، بل لفكرة صاحب المذهب والصورة الذهنية التي تصورها عن الإسلام، لذايعدل الفقيه عن رأيه متى تبين له الخطأ.
إن أفكار الإنسان عالما كان أو جاهلا تتصل اتصالا وثيقاً بحياته وظروفه الخاصة فحياة الأديب تنعكس في أدبه، وحياة الفقيه تنعكس في أحكامه وفتاويه، ومن هنا تعددت الأقوال والمذاهب، ومن هنا قال الإمام أبوحنيفة بجواز التكبير في الصلاة بغير العربية، لأنه فارسى الأصل، وتعددت المذاهب واختلفت، أما الإسلام فواحد لا اختلاف فيه ولا تعدد، كان قبل المذاهب، وسيبقى إلى الأبد.