/ صفحه 442/
ومحص القصة التي تروى في شأن هذه الشخصية منذ عشرة قرون، وتتبع من عرضوا لها من المؤلفين قديماً وحديثاً، وانتهى إلى أن القصة ترجع إلى مصدر واحد هو تاريخ الطبري، فإن جميع الذين ذكروها إما مستندون إليه أو إلى من أخذ منه، ثم بين أن الطبري أورد قصة السبئيين في كتابه " تاريخ الأمم والملوك " منحصراً عن طريق " سيف بن عمر التميمي البرجمي الكوفي المتوفى سنة 170 هـ " ثم تتبع أمر سيف هذا في كتب الرجال فوجد العلماء يصفونه بأنه (يروي عن خلق كثير من المجهولين، ضعيف الحديث، ليس بشيء، متروك يضع الحديث، وهو في الرواية ساقط، يروي الموضوعات عن الثقاة، عامة حديثه منكره، متهم بالوضع والزندقة).
وهذه الأوصاف التي وصفه العلماء بها ثابتة في " الاصابة " و" الاستيعاب "، و" ميزان الاعتدال للذهبي " و" فهرست ابن النديم " نقلا عن جماعة من علماء الرجال: كابن معين، وأبي حاتم، وأبي داود، والنسائي، والدار قطني، وابن عدي، وابن حبان، وعباس بن يحيى، وغيرهم.
ثم تتبع المؤلف أحاديث (سيف) هذا ومروياته، ناقداً إياها نقداً موضوعياً يتبين منه ما في كثير منها من الخلط وأمارات الوضع، ومن البواعث التي بعثته إلى ذلك.
إننا لا نذكر هذا لنقرظ الكتاب أو لنشيد به، وإنما نذكره لأنه تضمن فكرة جديدة هي جديرة بالبحث، فإن شخصية يشتهر خبرها، وقصة تتوارد وقائعها ويترتب عليها أحكام تاريخية هامة، ويتناقلها المؤلفون قديما وحديثاً من إسلاميين ومستشرقين، من أمثال الطبري، وابن عساكر، وابن الاثير، وابن كثير، ورشيد رضا، وفريد وجدي، وأحمد أمين، وحسن إبراهيم حسن، وفلوتن، ونيكلسن، ودوتلدسن، وغيرهم ـ إن شخصية يتناقلها أمثال هؤلاء، ويروون أخبارها، ويبنون عليها، ثم لا يكون لها سند إلا راو ضعيف مشهور بالوضع