/ صفحه 428/
ترى ما الذي أصابنا، ترى كيف دارت بنا عجلة الزمن فأصبحنا على الحال الذي نحن عليه وفي الوضع الذي ألفينا أنفسنا فيه والذي يعرفه كل مسلم ولا يخفى على فطنة كل عربي؟، ترى ما الذي أصابنا ونحن ننتمي إلى مجتعين لهما هذه العظمة وهذه الخطورة، بل لهما هذا المجد التالد وهذا الميراث العظيم؟ ما الذي أصاب بلاداً كانت أم المدنيات قاطبة ومهبط الأديان جميعها، ونحن لا ندعي ذلك باطلا فأمام ناظرنا المدنية المصرية ومدنية أهل بابل وأشور ومدنية الفرس.
ترى ما الذي أصاب المجتمع العربي الذي هو قلب العالم الإسلامي الذي يعيش فيه بين ظهرانينا أقلية من إخواننا المسيحيين هم من صميم مجتمعنا الإسلامي العربي، فقد عاشوا وسيعيشون معنا ـ مدى ما أروتنا أنهارنا وغذتنا أرضنا واشتغلت سواعدنا ـ إخوة لنا، لهم ما لنا وعليهم ما علينا.
لنقصر كلامنا اليوم لا على الوحدة الإسلامية الشاملة وهي أقوى بكثير من الوحدة العربية إنما على المجتمع الأصغر المجتمع العربي لنصفه ونرى أسباب نكبته ونتلمس مواضع نكسته، وأعتقد أن دراسة هذا المجتمع العربي لا تختلف كثيراً عن دراسة العالم الإسلامي، فإن نكبة المجتمعين واحدة ونكستهما متشابهة، وأساس الداء فيهما واحد، ولنكن في بحثنا واقعيين ننظر للحقائق حتى يفيد الباحث مما نكتب ويفيد شباب هذه البلاد مما يطالع.
* * *
ترى ما هي موارد هذه البلاد العزيزة علينا؟ ما ذا جعل منها في الماضي المجد والعزة والقوة؟ ماذا كان حالهم حتى إنهم تفوقوا على غيرهم من الأمم واكتسحت مدنيتهم ما حولهم من المدنيات؟ ماذا كان بأرضهم ثم بأخلاقهم ثم بدينهم حتى حكموا العالم من بحر الصين إلى المحيط الأطلسي وحتى عاشوا في الأندلس ستة قرون كاملة؟ أكانت لهم موارد مادية زالت اليوم؟ أو نضبت عندهم أبواب الرزق فاضطروا أن ينكمشوا في بلادهم يعيشون عيشة الكفاف؟ أم أن هذه الموارد ـ أنهاراً كانت أو أراضي أو معادن ـ ما زالت موجودة دون تلف ودون تغيير؟