/ صفحه 406/
ورووا عنه، وكانو متفاوتين في حظهم من الأخذ، وفي إقبالهم على الرواية، فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يُسأل عن المسألة، ويحكم بالحكم، ويأمر بالشيء أو ينهى عنه، ويفعل الشيء أو يعرض عنه، فيعي ذلك من يحضره، ويغيب عمن غاب عنه.
فلما توفى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تفرق أصحابه في البلاد، فأخذ أهل كل بلد عمن لديهم من الأصحاب، وفي ذلك يقول ابن حزم: " فقد حضر المديني ما لم يحضر البصري، وحضر البصري ما لم يحضر الشامي، وحضر الشامي ما لمي حضر البصري، وحضر البصري ما لم يحضر الكوفي، وحضر الكوفي ما لم يحضر المديني، كل هذا موجود في الآثار، وفي ضرورة العلم بما قدمنا من مغيب بعضهم عن مجلس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في بعض الأوقات، وحضور غيره، ثم مغيب الذي حضر أمس وحضور الذي غاب، فيدري كل واحد منهم ما حضر، ويفوته ما غاب عنه، هذا معلوم ببديهة العقل، وقد كان علم التيمم عند عمار وغيره، وجهله عمر وابن مسعود فقالا: لا يتيمم الجنب ولو لم يجد الماء شهرين، وكان حكم المسح عند عليّ وحذيفة رضي الله عنهما وغيرهم، وجهلته عائشة وابن عمر وأبو هريرة وهم مدنيون، وكان توريث بنت الابن مع البنت عند ابن مسعود وجهله أبو موسى... " (1).
1 ـ فمن أمثلة ذلك ما أخرجه مسلم من أن ابن عمر كان يأمر النساء اذا اغتسلن أن ينقضن رءوسهن، فسمعت عائشة بذلك فقالت: يا عجبا لابن عمر هذا يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رءوسهن، أفلا يأمرهن أن يحلقن رءوسهن. لقد كنت أغتسل أنا ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من إناء واحد، وما أزيد على أن أفرغ على رأسي ثلاث إفراغات.
2 ـ ومنها ما ذكره الزهري من أن هندا لم تبلغها رخصة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في المستحاضة ـ وهي التي ينزل عليها الدم بعد أقصى مدة الحيض ـ فكانت تبكي لأنها لا تصلي.

ــــــــــ
(1) الإحكام لابن حزم ص 126، 127 ج 2.