/ صفحه 392 /
والناس من يلق خيراً قائلون له ما يشتهي ولأمِّ المخطئ الهبلُ
ولم ينظر الإسلام أيضاً في هذه الحرب بين الفرس والروم إلى أن الفرس من أهل الشرق مثل العرب الذين ظهر بينهم، والروم من أهل الغرب الذين يعادون أهل الشرق عصبية منهم، فيقابل عصبيتهم لأهل الغرب بعصبيته لأهل الشرق، عصبية آثمة بعصبية آثمة، وسياسة جاهلية بسياسة جاهلية، فينتصر بهذا للفرس الشرقين ولو كانوا غير أهل لانتصاره لهم، ويتعصب على الروم الغربيين ولو كان من مصلحة الإنسانية في ذلك الوقت الوقوف بجانبهم.
كلا ثم كلا، لم ينظر الإسلام إلى شيء من هذا أو ذاك، لان رسالته أولا رسالة أخلاق فاضلة يريد نشرها بين الناس، فلا يمكنها إلا أن تقف عند حد المروءة والإنصاف فيما يكون بين المنتصر والمهزوم، فتزن كلا من النصر والهزيمة وتنظر إلى ما يترتب عليهما من المصحلة أو المفسدة، فإذا كان النصر يؤدي إلى مفسدة لم تقف بجانب المنتصر، وإن كانت نصره يثير الإعجاب في النفوس، ويدل على ما يمتاز به المنتصر من القوة والحزم، بل تقف في جانب المهزوم تؤازره وتواسيه، وتتمنى له النصر على عدوه، وتبث في نفسه الأمل والرجاء، حتى لا يستسلم ولا يستيئس، ولا تقطع الأمل في النصر بعد الهزيمة.
ولأن رسالته ثانياً رسالة إنسانية عامة، ليست للشرق وحده، وليست للغرب وحده، وليست لجنس من البشر دون جنس، فلا يمكنها أن تنظر لما بين الشرق والغرب بعين أهل الشرق أو بعين أهل الغرب، لأنها إذا نظرت إليه بعين أحدهما تعصبت على الآخر، وأعمالها التعصب عن غايتها السامية من كونها للإنسانية عامة، لا لأهل الشرق وحدهم، ولا لأهل الغرب وحدهم، ولا لجنس من البشرية دون جنس.
ثم نظر الإسلام إلى أهل الغرب فوجد أنهم يدينون بالمسيحية، وهي لا تجعل من ملوكها آلهة يعبدون، ووجد أن قيصر الروم لا يدعي أنه أعظم الآلهة كما يدعي كسرى الفرس.