/ صفحه 39/
لا في الماديات، لأن ما يربط الأفراد بعضهم إلى بعض بحيث يكوّنون أمة، إنما هي روابط معنوية. فما يقال إذن من أن للأمم شبابا وشيخوخة غيرصحيح، لأن المعنويات لا تضعف في الإتسان إذا تنفس به العمر، بل إنها تبلغ أقصى درجات الرقى في الفرد حين يشيخ.
إلا أن العوائق قد تعترض الأمم فتحولها عن السير في طريق السكمال، وتنحرف بها إلى السير نحو الانحلال، وهذه حركة قسرية تكره فيها الأمم على غير طبيعتها.
والأمة الإسلامية سارت في طريق التطور سيراً طبيعياً، فامتصت الثقافات القديمة التي أو شكت أن تزول، وحملت علم الحضارة، وقدمت للعالم زادالعلم والمعرفة، وغزت بمبادئها الإمبراطوريات القديمة، ورفعت علم التوحيد في البلاد الوثنية والثنائية، وأوجدت للإسلام عصراً ذهبياً كانت السماحة أكبر عون على ازدهاره، ولا ندرى إلى أي درجة من الرقي كانت تصل بالبشرية لو تركت في طريقها تسير.
لكنها ابتليت بأدواء وعوائق لم تعطلها عن السير فحسب، بل حولتها عن مجرى التطور، ودفعت بها إلى طريق الضعف والتفكيك. وحين فقدت كثيرا من مقوماتها الشخصية، لم تقو على صد أهواء حكامها، فحطموا وحدتها، فأصبحت وفرقوا كلمتها، ثم جاء الاستعمار فزادها فرقة، وعجل بها إلى الانحلال، فأصبحت هزيلة ضعيفة يجتاحها التعصب الأعمى بعد أن كان يسيطر عليها التفكير الحر السليم، وأصبحت بمرور الزمن تقدس الآراء وتعتبرها من المعتقدات، وويل لأمة تتحول فيها الآراء إلى معتقدات.
وهكذا توقفت الأمة عن السير في طريق الكمال، وغشيها سبات عميق، وتركت معاول الهدم تعمل عملها في بنائها الشامخ، رغم أن دينها هو بطبيعته دين الكمال، جاء ليأخذ بيد الإنسانية نحو الوحدة والقوة والخير للبشر أجمعين.