/ صفحه 387/
ماذا يا هؤلاء أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض، فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب، وما الله بغافل عما تعملون.
قلت: مهلا سيدي الشيخ، ولماذا تلغون حرية الناس وتريدونهم على أن يلتزموا تفسيركم القرآن، إنهم ليفهمونه على خلاف فهمكم ولكل فقهه.
قال: فأنا أرفض فقه أولئك الذين لا يفقهون " لا تأكل السمك وتشرب اللبن " في أحوالها الثلاث إنها عندهم حال واحدة سواء رفعت تشرب أو نصبتها أو جزمتها. قل لأحدهم وأنت صادق: أنيك قاتل أبي أو إني قاتل أباك، ليس يدري أمعترف أنت بالقتل أم به تتوعد، أفهؤلاء السادة فيما ترى أصحاب فقه يفسرون القرآن ويرون فيه الرأي على خلاف ما يرى أولئك الذين قضوا حياتهم الجادة في البحث والدرس والاستقراء والاستنباط أنا لا ألغي حرية الناس كما تقول ومنها حرية الجهل، بيد أني أرجو إلى الأحرار الجاهلين ألا يلزموني فقههم، ولهم حريتهم كاملة غير منقوصة أن يجهلوا فقهي.
قلت: وهل من فقهكم أن يرتبط المسلمون بأحكام دائمة ثابتة أبدية لا تتغير ولا تتطور والدنيا متغيرة متطورة، ومتى صح أن الشريعة الإسلامية شريعة كل زمان ومكان، فهل في الامكان أن تكون كذلك مع أبدية تلك الأحكام؟
قال: إن في الحنيفية السمحة " لثوابت " أو إن شئت أحكاماً أبدية لن تزول أو تزول البشرية نفسها، إنها أحكام تستمد وجودها وعللها من الطبيعة الإنسانية ذاتها. فالانسانية تتغير وتتطور دون شك، ولكنها على تغيرها وتطورها هي الإنسانية بطابعها الدائم المميز. وبجانب الثوابت متحركات، أعني أحكاماً متحركة متطورة متغيرة مع الإنسان في الزمان والمكان، هذا إجمال يتطلب تفصيله مجلداً ضخما وهو مع هذا واضح بين.
اقرأ القرآن تجد العقوبة على العمل بعينه تتدرج من مجرد الإيذاء ـ وقد يكون قولا لايتعداه ـ إلى القتل أو الاعدام. والحرية التعاقدية أو قاعدة " العقد شريعة