/ صفحه 375/
علماً؛ فمن أرادهن دخل عليهن؛ فإذا حملت إحداهن ووضعت حملها جمعوا لها، ودعوا القافة (وهم المهرة في القيافة. والقيافة فن كان منتشراً عند العرب يستطيع الراسخون فيه أن يعرفوا الأصل الذي انحدر الولد من مائه عن طريق الشكل الخارجي لتكوين أعضائه وحجمها ولون بشرته … وما إلى ذلك) ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون، فالتاط به (أي اتصل به) ودعى ابنه لا يمتنع من ذلك ". غير ان العرب كانوا يحتقرون البغايا ومن يتصل بهن؛ فما كان يباح في الغالب لعربية أن تمتهن البغاء؛ بل كاد يكون ذلك مقصوراً على الإماء؛ وكانت البغايا يتوارين عن العيون بمنجاة من المدائن والقرى ومضارب خيام البادية، وينصبن على بيوتهن رايات تكون آية على مهانتهن، وكان لا يذهب إليهن إلا سفلة الناس وسوقتهم، ويذهبون إليهن في الظلام، يجرون أطراف مآزرهم وراءهم لتطمس آثار أرجلهم على الرمال. ولذلك أطلق على البغايا اسم المظلمات، كما كان يطلق عليهن اسم المهينات. وكان من جوامع كلمهم في المدح: (فلان لا يرخى لمظلمة إزاره) وفي ذلك تقول العوراء بنت سبيع في رثاء.
أبكى لعبد الله إذ حُشَّتْ قبيل الصبح نارُه (1)
طيان طاوي الكشح لا يُرخَى لمظلمةٍ إزارُه (2)
وقد ظل البغاء منتشراً عند مشركي العرب حتى بعد ظهور الإسلام. فقد كان لعبد الله بن أبيّ ست جوار خصصهن للبغاء وضرب عليهن الضرائب، فشكا بعضهن ذلك إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فنزل قوله تعالى: " ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصناً لتبتغوا عرض الحياة الدنيا " (3).

ــــــــــ
(1) حشت ناره: أي أوقدت. وهذا مثل أرادت به أنه قتل قبيل الصبح، فضربت لقتله مثلا بإيقاد النار؛ والعرب تقول: أوقدت نار الحرب إذا هاجت.
(2) الطيان: صفة مشبهة من الطوى وهو الجوع. والعرب ترى من السيادة ألا يشبع الرجل. وطاوي الكشح. أي ضامر. ليس بضخم الجنبين.
(3) سورة النور آية 33، انظر تفسير البيضاوي، وليس الغرض من الشرط تقييد الخطر كما لا يخفى، وإنما الغرض منه مجرد وصف الحالة التي نزلت فيها الآية وبيان مبلغ فجور من فعل ذلك.