/ صفحه 373/
وقد كان الإسلام منذ أوله يلاقي من تأصل جذور العصبية القبلية في العرب ما يلاقي، وكان لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سياسة قوية ثابتة في العمل على استدلال هذه النزعة من القلوب، وفي التعجيل بدرء أخطارها حين تطل برأسها وذلك أن من مبادئ الإسلام الأساسية أن: " الحق أحق أن يتبع " وأن أخوة الدين قاضية على قرابة النسب، وأن التقليد واتباع الآباء والتعصب لهم لا يتفق وما يجب على المؤمنين من إنصاف الحق والخضوع له، وتطلبه من أي أفق يمكن أن يظهر منه.
فوجدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقف بين الأوس والخزرج حين تثور بينهم ثائرة العصبية، فيصلحهم ويذكرهم ويعظهم ويبين لهم ما يريد الشيطان أن يوقعه بينهم من العداوة والبغضاء، ووجدناه يهتم بذلك اعظم الاهتمام، ولا يؤخره لشيء ولا يقدم عليه شيئا، ولا يقر له قرار حتى يطفئ نيرانه بحكمته وقوته.
ووجدنا القرآن الكريم يوجه إلى هذا الأمر الخطير في كثير من آياته، ويذكر المؤمنين بالنعمة الكبرى: نعمة التأليف بين قلوبهم، وبأن الشيطان يريد أن ينزغ بينهم حتى يحرمهم هذه النعمة ويفسدها عليهم، فيفسد عليهم أمرهم كله.
ووجدناه ينعي على الكفار تمسكهم بما ورثوا من العقائد والعادات عن آبائهم ولو كانوا لا يعقلون شيئا ولا يهتدون، ويضرب الأمثال من سير الأنبياء والرسل الذين كانوا لا يلتوون عن سبيل الحق، ولا يعبأون بما يقاسون في سبيل ذلك من عنت المتعصبين الجاهلين.
كل ذلك لأن الإسلام وجد البيئة متأثرة بالماضي القريب، ووجد جذوراً قد غاصت في أرضه يجب أن يقتلعها، وأن يميت جميع فروعها.
فلو درس الإسلام دراسة استقصاء، وروعى هذا المبدأ الذي قدمناه لرفع الخلاف في المسائل التي شطرت الأمة الإسلامية شطرين، ولمحي كثير من البدع، وطمس على كثير من الخرافات.